والمترجم لهذا النص قد لا ينتبه إلى فنية الآية بلاغيا ، فيترجمها متسلسلة عادة ، وفي ذلك فساد للمعنى ، إذا كان المعنى كما سبق بيانه.
٣ ـ وفي الاستعمال الاستعماري لقوله تعالى : ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) (١).
تبدو مشكلة الترجمة لهذا التعبير شبه مستحيلة لما فيه من حمل اللفظ الحقيقي على المجاز وما يشتمل عليه في جزئياته من بعد استعاري حققته دلالة التركيب بخصائص عدة طرحتها اللغة القرآنية من خلال عمقها البلاغي في إرادتها فوق ما يعطيه لفظ : الشرب ، القلب ، العجل والترجمة بذات النص قد لا تفي بذات الدلالة ، وهي قضية ترتبط بعلمي المعاني والبيان في تتبع خواص التركيب من جهة علم المعاني ، وفي ارتباطها بالاستعمالات المجازية والاستعمارية والتشبيهية من علم البيان.
٤ ـ ان التركيب البياني في قوله تعالى : ( فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) ) (٢).
يقتضي في الترجمة الالتفات إلى التمييز بين الحقيقة والمجاز في كل من : الأبواب ، السماء ، عيونا. كما يقتضي التفريق بين الفتح لأبواب السماء ، والتفجير للأرض عيونا ، وبين استعمال الأبواب في موقع المفعول ، والعيون في موقع التمييز ، ولما ذا لم يعكس الاستعمال أو لم يتوافق في الحالتين ، كأن يكون تمييزا في الموقعين ، أو مفعولا في الموضعين وفي الاغماض عن هذا الترتيب ، والتغافل عن هذا التركيب ، تكون الترجمة عبثا من الوجهة البلاغية ، ومهما أوتي المترجم من سعة مدارك ، وقوة تعبير : وإحاطة بالمفردات ، فإنه سيكون قاصرا أمام التعبير عن هذا التركيب ، وفي هذه الحالة لا يكون القصور تقصيرا بل هو طبيعي ازاء الجمال البياني في القرآن لتعذر وسائل نقله.
٥ ـ وفي قوله تعالى : ( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ) (٣) يقف المترجم حائرا
__________________
(١) البقرة : ٩٣.
(٢) القمر : ١١ ـ ١٢.
(٣) مريم : ٤.