الدوافع وأنبل الأهداف ترجيحا لدي ، فكثير من هؤلاء المستشرقين لمسوا في اللغة العربية لغة ثقافة وأدب وحضارة ، ووجدوا القرآن في الذروة من هذه اللغة ، فحدبوا على دراسته بدافع علمي محض تحدو به المعرفة ، وتصاحبه اللذة ، فأبقوا لنا جهودا عظيمة مشكورة.
وهذا الحكم لا يؤخذ على عمومه ، ولكنه الأعم الأغلب ، وسواه شاذ ، والشاذ لا يقاس عليه. ولكن الهدف العلمي ـ مهما كانت الضمائم ـ هو الهدف الأسمى لأغلبية هؤلاء المستشرقين.
ومن الجدير بالذكر أن معركة كبيرة تدور رحاها بين علمائنا وأدبائنا وبين المستشرقين حول صحة هذا الغرض أو التشكيك فيه ، وقد عرض لها الأستاذ « نجيب العقيقي » وناقش كثيرا من أبعادها ، ودافع عن المستشرقين دفاعا مخلصا ، ورأى أن الاستشراق مهنة علمية حرة ترسى قواعدها على أصول التحقيق والترجمة والتصنيف (١).
ومع كل ما تقدم ، فالمفروض أن نقف موقف الحذر والحيطة من جملة جهود المستشرقين واجتهاداتهم بالنسبة للدراسات القرآنية ، فهم يخضعون القرآن ـ عادة ـ إلى مناهج وطرائق واستنتاجات قد تكون بعيدة عن الفهم القرآني الأصيل ، لا سيما في مجالي التفسير والترجمة ، فالتفسير مهما كان دقيقا ، قد لا يتوافر منه المراد في اللغات الأخرى كما يتوافر في اللغة العربية ، والترجمة مهما كانت حرفية فقد تشذ عن الأصول البلاغية والأساليب الجمالية التي جاء بها القرآن الكريم.
وكما يجب أن نقف من التفسير والترجمة هذا الموقف ، يجب أن نرصد ما كتب في تاريخ القرآن ، ودعوى التحريف بمنظور متيقظ لئلا نقع بما وقع به بعض المستشرقين من الإسفاف والخلط.
إن هذا الملحظ لا يعني أننا نغض من قيمة وأصالة الجهود الاستشراقية ، ولكننا ندعو إلى تقويمها ورصدها للوصول إلى الحقيقة العلمية الخالصة.
__________________
(١) ظ : المرجع نفسه : ١١٤٨ ـ ١١٦٦.