مضادة داخلية تفتك بالصفوف وتفرق الجموع ، لو لا الوقوف في نهاية الأمر بوجه ترددهم الخائف ، وهزائمهم المتلاحقة ، أثر ما حققه الإسلام من انتصارات في غزواته وحروبه الدفاعية ، إلا أن جذوتهم بقيت نارا تحت الرماد ، وعاصفة بين الضلوع ، تخمد تارة وتهب أخرى.
الثانية : مجابهته للفضوليين ، الذين كانوا يأخذون عليه راحته ويزاحمونه وهو في رحاب بيته ، بين أفراد أسرته وزوجاته ، فينادونه باسمه المجرد ويطلبون لقاءه دون موعد مسبق ، بما عبر عنه القرآن بصراحة :
( إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) ) (١).
واستأثر البعض من هؤلاء وغيرهم بوقت القائد ، فكانت الثرثرة والهذر وكان التساؤل والتنطع ، دون تقدير لملكية هذا الوقت ، وعائدية هذه الشخصية فحد القرآن من هذه الظاهرة واعتبرها ضربا من الفوضى ، وعالجها بوجوب دفع ضريبة مالية تسبق هذا التساؤل أو ذاك الخطاب ، فكانت آية النجوى :
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) ) (٢).
وكان لهذه الآية وقع كبير ، فامتنع الأكثرون عن النجوى ، وتصدق من تصدق فسأل ووعى وعلم ، وانتظم المناخ العقلي بين يدي الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم فكف الفضول ، وتحددت الأسئلة ، ليتفرغ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للمسئولية القيادية ، ولما وعت الجماعة الإسلامية مغزى الآية ، وبلغ الله منها أمره ، نسخ حكمها ورفع ، وخفف الله عن المسلمين بعد شدة مؤدبة وفريضة رادعة وتأنيب في آية النسخ :
( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣) ) (٣).
__________________
(١) الحجرات : ٤.
(٢) المجادلة : ١٢.
(٣) المجادلة : ١٣.