بكنه النظم القرآني ، وارتباط الآية بما قبلها ، وما بعدها ، وانتهاء الموضوع للبدء في موضوع آخر ، ومواكبة الغرض الفني للغرض الديني بلاغيا وتشريعيا ، ورقة الالتفات من الغيبة إلى الحضور ، ومن الخطاب إلى الغيبة ، ومن الإفراد إلى الجمع وبالعكس ، ومن المضمر إلى المظهر ، مما لا يكاد يحسن فهمه الدقيق إلا العربي المحض ، أو من تمرس بلغة العرب ذوقا ولسانا وإحاطة.
والأستاذ بول يستغل نصا من النصوص القرآنية في إدانة اليهود بأنهم : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ( النساء / ٤٦ ) ليبني حكما طائشا على إدراك خاطئ فيعتبر التحريف تغييرا مباشرا لصيغة مكتوبة في القرآن (١).
وقد اشتمل تعصبه الفاضح على ألفاظ تجريحية ألصقت بالرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم دون مسوغ لها على الإطلاق.
ويثير مسألة الناسخ والمنسوخ وسيلة يتذرع بها خصوم النبي للقول بالتحريف.
ويحاول الدس والافتراء لتشتيت شمل المسلمين من خلال هذا المنظور الهزيل الذي لا يوافقه عليه حتى المستشرقون (٢).
وتكاد أن تتفق كلمة المستشرقين وعلماء الغرب المنصفين ممن لهم دراسات في هذا المجال ـ وهم لا يؤمنون بكون القرآن منزلا من الله ـ على صحة نقل القرآن وانتهائه بنصه إلى النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهناك بضع شهادات لكبار العلماء من المستشرقين تؤكد أن القرآن هو الكتاب الوحيد في الدنيا الذي بقي نصه محفوظا من التحريف ، من بين كتب الديانات جميعا ، وأنه لم يتطرق شك إلى أصالته ، وأن كل حرف نقرأ اليوم نستطيع أن نثق بأنه
__________________
(١) ظ : دائرة المعارف الإسلامية الألمانية : ٢ / ٦٠٢ ـ ٦٠٨.
(٢) ظ : فيما سبق : تأريخ القرآن : فقرة رقم : ٨.