يا من لا يخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك ، وأنزلني دار كرامتك ، فأنا أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فلما كمل شهادته قضى نحبه ، لقي ربه رضي الله تعالى عنه ، قال : فبينا نحن كذلك إذ أتى رجل على بغلة شهباء متلثما فسلم علينا ، فرددنا السلام عليه ، فقال : يا أصبغ جدوا في أمر سلمان ، فأخذنا(١) في أمره ، فأخذ معه حنوطا وكفنا ، فقال : هلموا فإن عندي ما ينوب عنه ، فأتيناه بماء ومغسل ، فلم يزل يغسله بيده حتى فرغ ، وكفنه وصلينا عليه ودفناه ولحده علي عليهالسلام بيده ، فلما فرغ من دفنه وهم بالانصراف تعلقت بثوبه وقلت له : يا أمير المؤمنين كيف كان مجيئك؟ ومن أعلمك بموت سلمان؟ قال : فالتفت عليهالسلام إلي وقال : آخذ عليك يا أصبغ ، عهد الله وميثاقه أنك لا تحدث به أحدا ما دمت حيا في دار الدنيا ، فقلت : يا أمير المؤمنين أموت قبلك؟ فقال : لا يا أصبغ ، بل يطوع عمرك ، قلت له : يا أمير المؤمنين خذ علي عهدا وميثاقا ، فإني لك سامع مطيع ، إني لا احدث به حتى يقضي الله من أمرك ما يقضي ، وهو على كل شئ قدير ، فقال لي : يا أصبغ بهذا عهدني رسول الله ، فإني قد صليت هذه الساعة بالكوفة ، وقد خرجت اريد منزلي ، فلما وصلت إلى منزلي اضطجعت فأتاني آت في منامي ، وقال : يا علي إن سلمان قد قضى نحبه ، فركبت بغلتي ، وأخذت معي ما يصلح للموتى ، فجعلت أسير فقرب الله لي البعيد ، فجئت كما تراني ، وبهذا أخبرني رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثم إنه دفنه وواراه ، فلم أر صعد إلى السماء أم في الارض نزل فأتى الكوفة والمنادي ينادي لصلاة المغرب ، فحضر عندهم علي عليهالسلام ، وهذا ما كان من حديث وفاة سلمان الفارسي رضياللهعنه(٢).
بيان : العرنين بالكسر : الانف كله ، أو ما صلب من عظمه.
أقول : وجدت هذا الخبر في بعض مؤلفات أصحابنا ، وساقه نحوا مما مر إلى قوله : وأوسع لحدي مد البصر ، ومضى عني ، وأنا يا سلمان لم أجد عند الله شيئا
____________________
(١) في نسخة من المصدر : واردنا ان نأخذ.
(٢) الفضائل : ١١٣ ـ ١٢٢.