فمكث كذلك أياما ثم أتى به فوقف بين يديه ، فقال أبوذر : ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ورأيت أبا بكر وعمر ، هل هديك كهديهم؟ أما إنك لتبطش بي بطش جبار ، فقال عثمان : اخرج عنا من بلادنا ، فقال أبوذر : ما أبغض إلي جوارك ، فإلى أين أخرج؟ قال : حيث شئت ، قال : أخرج إلى الشام أرض الجهاد قال : إنما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها ، أفأردك إليها؟ قال : أفأخرج إلى العراق؟ قال : لا ، إنك إلا تخرج إليها تقدم على قوم اولي شبه وطعن على الائمة والولاة ، قال : أفأخرج إلى مصر؟ قال : لا ، قال : فإلى أين أخرج؟ قال : إلى البادية ، قال أبوذر : أصير بعد الهجرة أعرابيا؟ قال : نعم ، قال أبوذر : فأخرج إلى بادية نجد ، قال عثمان : بل إلى الشرف الابعد فأقصى(١) ، امض على وجهك هذا ، فلا تعدون(٢) فخرج إليها.
وروى الواقدي أيضا عن مالك بن أبي الرجا(٣) عن موسى بن ميسرة أن أبا الاسود الدؤلي قال : كنت احب لقاء أبي ذر لاسأله عن سبب خروجه إلى الربذة ، فجئته فقلت له : ألا تخبرني أخرجت من المدينة طائعا أم اخرجت(٤)؟
فقال : كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغنى عنهم فاخرجت إلى المدينة ، فقلت : دار هجرتي ، فاخرجت من المدينة إلى ما ترى ، ثم قال : بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد على عهد رسول الله (ص) إذ مر بي صلىاللهعليهوآله فضربني برجله ، وقال : لا أراك نائما في المسجد ، فقلت : بأبي أنت وامي غلبتني فنمت فيه ، قال : فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ قلت : آخذ سيفي فأضربهم به ، فقال : ألا أدلك على خير من ذلك؟ انسق معهم حيث ساقوك ، وتسمع وتطيع ، فسمعت وأطعت وأنا أسمع واطيع ، والله ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي(٥) انتهى كلامه ، وإنما أوردته بطوله لتعلم أن قبائح أعمال عثمان وطغيانه على أبي ذر وغيره متواتر بين الفريقين.
____________________
(١) في المصدر : اقصى فاقصى. (٢) في المصدر : فلا تعدون ربذة.
(٣) في المصدر : مالك بن ابى الرجال. (٤) ام اخرجت كرها.
(٥) شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٧٥ ـ ٣٧٨.