______________________________________________________
لحده وجعل اللبن فوقه انخسف القبر به ، وخرجت منه غبرة عظيمة ، فصاح الفضل التراب التراب ، فجعل يطرح وهو يهوي ودعا بأحمال شوك فطرحها فهوت فأمر حينئذ بالقبر فسقف بخشب وأصلحه وانصرف منكسرا ، فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل : رأيت يا عباسي ما أسرع ما أديل يحيى من ابن مصعب؟
قالوا : ثم جمع له الرشيد الفقهاء وفيهم محمد بن الحسن صاحب أبي يوسف القاضي والحسن بن زياد اللؤلؤي وأبو البختري وهب بن وهب ، فجمعوا في مجلس وخرج إليهم مسرور الكبير بالأمان فبدأ بمحمد بن الحسن فنظر فيه فقال : هذا أمان مؤكد لا حيلة فيه ، وكان يحيى قد عرضه في المدينة على مالك وابن الدراوردي وغيرهم فعرفوه أنه مؤكد لا علة فيه.
قال : فصاح عليه مسرور وقال : هاته فدفعه إلى الحسين بن زياد فقال بصوت ضعيف : هو أمان واستلبه أبو البختري فقال : هذا باطل منتقض قد شق العصا وسفك الدم فاقتله ودمه في عنقي ، فدخل مسرور إلى الرشيد فأخبره ، فقال : اذهب فقل له خرقه إن كان باطلا بيدك؟ فجاءه مسرور فقال له ذلك ، فقال : شقه يا أبا هاشم ، قال له مسرور : بل شقه أنت إن كان منتقضا ، فأخذ سكينا وجعل يشقه ويده يرتعد حتى صيره سيورا ، فأدخله مسرور على الرشيد فوثب فأخذه من يده وهو فرح. ووهب لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه قضاء القضاة وصرف الآخرين ، ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة ، وأجمع على إنفاذ ما أراد في يحيى بن عبد الله.
قال أبو الفرج وقد اختلف في مقتله كيف كان ، فروي عن رجل كان مع يحيى في المطبق قال : كنت قريبا منه فكان في أضيق البيوت وأظلمها ، فبينا نحن ذات ليلة كذلك إذ سمعنا صوت الأقفال ، وقد مضى من الليلة هجعة ، فإذا هارون قد أقبل على برذون له ، فوقف ثم قال : أين هذا؟ يعني يحيى قالوا : في هذا البيت ، قال : علي به فأدنى إليه فجعل هارون يكلمه بشيء لم أفهمه فقال : خذوه فأخذ فضربه مائة عصا ويحيى يناشده