______________________________________________________
غير علم في قديم الدهر وحديثه إلى أن انتهى الأمر إلى نبي الله وبعده صار إلى أوصيائه وإلى من انتهت إليه معرفتهم ، وإنما عرفوا بمعرفة أعمالهم ودينهم الذين دان الله به المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، وقد يقال أنه من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة خرج منه كما دخل فيه رزقنا الله وإياك معرفة ثابتة على بصيرة.
وأخبرك إني لو قلت الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج والعمرة والمسجد الحرام والبيت الحرام والمشعر الحرام والطهور والاغتسال من الجنابة وكل فريضة كان ذلك هو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي جاء به من عند ربه لصدقت ، لأن ذلك كله إنما يعرف بالنبي ولو لا معرفة ذلك النبي والإيمان به والتسليم له ما عرف ذلك ، فذلك من من الله على من يمن عليه ، ولو لا ذلك لم يعرف شيئا من هذا.
فهذا كله ذلك النبي وأصله وهو فرعه ، وهو دعاني إليه ودلني عليه وعرفنيه وأمرني به ، وأوجب علي له الطاعة فيما أمرني به ، ولا يسعني جهله ، وكيف يسعني جهل من هو فيما بيني وبين الله ، وكيف يستقيم لي لو لا أني أصف أن ديني هو الذي أتاني به ذلك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن أصف أن الدين غيره ، وكيف لا يكون ذلك معرفة الرجل وإنما هو الذي جاء به عن الله وإنما أنكر الذين من أنكره بأن « قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً » ، ثم قالوا « أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا » فكفروا بذلك الرجل ، وكذبوا به « وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ » (١) فقال الله : « قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ » (٢) ثم قال في آية أخرى : « وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً » (٣).
إن الله تبارك وتعالى إنما أحب أن يعرف بالرجال وأن يطاع بطاعتهم ،
__________________
(١) سورة الأنعام : ٨.
(٢) سورة الأنعام : ٩١.
(٣) سورة الأنعام : ٨. وأقول : الظاهر وقوع التقدّم والتأخّر في الآيتين ، والله أعلم.