لذي عينين وقد بلغنا عنك انتهاك لنا ودعاء علينا فما الذي يحملك على ذلك فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب أتتخذ اللعن لنا دينا وترى أن ذلك يكسرنا عنك.
فلما أتى خداش أمير المؤمنين عليهالسلام صنع ما أمراه فلما نظر إليه علي عليهالسلام وهو يناجي نفسه ضحك وقال هاهنا يا أخا عبد قيس وأشار له إلى مجلس قريب منه فقال ما أوسع المكان أريد أن أؤدي إليك رسالة قال بل تطعم وتشرب وتحل ثيابك وتدهن ثم تؤدي رسالتك قم يا قنبر فأنزله قال ما بي إلى شيء مما ذكرت حاجة قال فأخلو بك قال كل سر لي علانية قال فأنشدك بالله الذي هو أقرب إليك من نفسك الحائل بينك وبين قلبك الذي « يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ
______________________________________________________
والكفر إلينا « فقد كنا نرى » أي الشتم واللعن عادة الجبناء ، وكنا نظنك من الشجعان « دينا » أي عادة والاستفهام للتوبيخ ، و « ترى » أي تظن.
« وهو يناجي نفسه » أي يتلفظ بكلام لا يسمعه غيره « وقال هيهنا » أي أقبل وأت هيهنا « ما أوسع المكان » صيغة التعجب « أنشدك » أي أقسم عليك أو أسألك الذي هو أقرب إليك من نفسك ، لأن قربه سبحانه إما بالعلية وهو تعالى خالق النفس والبدن وجميع العلل سواه ، فهو أقرب من هذه الجهة أو بالعلم وهو سبحاته أعلم بالإنسان وحقيقته وأحواله من نفسه وروحه.
« الحائل بينك » إشارة إلى قوله تعالى « وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » (١) وقال المفسرون : هذا تمثيل لغاية قربه من العبد ، وإشعار بأنه مطلع على سرائر قلبه ما عسى أن يغفل صاحبه عنه ، أو حث على المبادرة إلى تخلية القلب وتصفيته قبل أن يحول الله بينه وبين صاحبه بالموت وغيره ، أو تخييل لتملكه على قلبه فيفسخ عزائمه ، ويغير مقاصده ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته ، وبينه وبين الإيمان إن أراد شقاوته ، وفيه تنبيه وإيماء إلى أنه تعالى سيحول قلبه عن تلك
__________________
(١) سورة الأنفال : ٢٤.