أنه يدعهم على الأمر يريد إزالتهم عنه رفقا بهم لكيلا يلقي عليهم عرى الإيمان
______________________________________________________
أهوية المخالفين والكافرين متضادة مختلفة فلو كانوا مجتمعين متفقين في الأهواء لأفنوا المؤمنين واستأصلوهم كما قال تعالى : « لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ » (١).
الثالث : أن يكون عطفا على تسليله أيضا والمعنى أنه من لطفه جعل المضادة بين هوى كل امرء وقلبه أي روحه وعقله ، فلو لم يكن القلب معارضا للهوى لم يختر أحد الآخرة على الدنيا ، وفي بعض النسخ ومضادته وهو أنسب بهذا المعنى ، والمضادة بمعنى جعل الشيء ضد الشيء شائع كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ضاد النور بالظلمة واليبس بالبلل.
الرابع : أن يكون الواو بمعنى مع ، ويكون تتمة للفقرة السابقة أي أخرج أحقادهم مع وجود سببها وهو مضادة أهوائهم وقلوبهم.
الخامس : أن يكون المعنى من رفقه أنه أوجب عليهم التكاليف المضادة لهواهم وقلوبهم ، لكن برفق ولين بحيث لم يشق عليهم ، بل إنما كلف عباده بالأوامر والنواهي متدرجا كيلا ينفروا كما أنهم لما كانوا اعتادوا بشرب الخمر نزلت أو لا آية تدل على مفاسدها ثم نهوا عن شربها قريبا من وقت الصلاة ثم عمم وشدد ولم ينزل عليهم الأحكام دفعة ليشد عليهم بل أنزلها تدريجا وكل ذلك ظاهر لم تتبع موارد نزول الآيات وتقرير الأحكام ، وفي لفظ المضادة إيماء إلى ذلك ، قال الفيروزآبادي ضده في الخصومة : غلبه وعنه صرفه ومنعه برفق وضاده خالفه.
« ومن رفقه بهم أنه يدعهم على الأمر » حاصله أنه يريد إزالتهم عن أمر من الأمور لكن يعلم أنه لو بادر إلى ذلك يثقل عليهم فيؤخر ذلك إلى أن يسهل عليهم ثم يحولهم عنه إلى غيره فيصير الأول منسوخا ، كأمر القبلة فإن الله تعالى كان يحب
__________________
(١) سورة الحشر ، ١٤.