عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال قال التواضع أن تعطي الناس ـ ما تحب أن تعطاه.
وفي حديث آخر قال قلت ما حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا فقال التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه إن رأى سيئة درأها بالحسنة كاظم الغيظ عاف عن الناس « وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ».
______________________________________________________
« أن تعطى الناس » أي من التعظيم والإكرام والعطاء « ما تحب أن تعطاه » منهم في جميع ذلك « التواضع درجات » أي التواضع لله وللخلق درجات أو ذوو درجات باعتبار كمال النفس ونقصها « أن يعرف المرء قدر نفسه » بملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه « بقلب سليم » من الشك والشرك والرياء والعجب والحقد والعداوة والنفاق ، فإنها من أمراض القلب قال تعالى : « فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » (١) « لا يحب أن يأتي إلى أحد » من قبل الله أو من قبله أو الأعم « إلا مثل ما يؤتى إليه » كان المناسب للمعنى المذكور ما ذكرنا « أن يأتي إليه » على المعلوم وكان الظرف فيهما مقدر والتقدير لا يحب أن يأتي إلى أحد بشيء إلا مثل ما يؤتى به إليه ، ويؤيده أنه روي في مشكاة الأنوار نقلا من المحاسن عن أبي الحسن موسى عليهالسلام أنه سأله علي بن سويد المدني عن التواضع الذي إذا فعل العبد كان متواضعا؟ فقال : التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم ، ولا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يأتون إليه ، إلى آخر الخبر.
ويمكن أن يقرأ على بناء التفعيل في الموضعين من قولهم أتيت الماء تأتيه وتأتيا أي سهلت سبيله ليخرج إلى موضع ، ذكره الجوهري لكنه بعيد « درأها » أي دفعها « بالحسنة » أي بالخصلة أو المداراة أو الموعظة الحسنة إشارة إلى قوله تعالى : « وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ » (٢) قال البيضاوي : يدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان أو يتبعون الحسنة السيئة فتمحوها.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٠.
(٢) سورة الرعد : ٢٢.