.................................................................................................
______________________________________________________
للمعاد لما أسكن الله الأرواح المقدسة في تلك الأبدان الكثيفة كما أومأنا إليه سابقا.
وقد روى السيد في النهج أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه سمع رجلا يذم الدنيا : فقال أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها المنخدع بأباطيلها أتغتر بالدنيا ثم تذمها أأنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ، متى استهوتك أم متى غرتك أبمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم عللت بكفيك وكم مرضت بيديك تبغي لهم الشفاء وتستوصف لهم الأطباء لم ينفع أحدهم إشفاقك ولم تسعف فيه بطلبتك ولم تدفع عنهم بقوتك قد مثلت لك به الدنيا نفسك وبمصرعه مصرعك ، إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها ، ودار موعظة لمن اتعظ بها ، مسجد أحباء الله ومصلى ملائكة الله ومهبط وحي الله ومتجر أولياء الله ، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت لهم ببلائها البلاء وشوقتهم بسرورها السرور ، راحت بعافية وابتكرت بفجيعة ترغيبا وترهيبا وتخويفا وتخديرا ، فذمها رجال غداة الندامة ، وحمدها آخرون يوم القيامة ، ذكرتهم الدنيا فذكروا وحدثتهم فصدقوا ، ووعظتهم فاتعظوا.
وقد أوردت هذه الخطبة أبسط من ذلك في الكتاب الكبير وكفى بها مصدقا لما ذكرنا ، وروى العياشي عن الباقر عليهالسلام في قوله تعالى : « وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ » (١) قال : الدنيا.
الثاني : الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها ، وهذه أيضا ليست مذمومة بأسرها بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو وسيلة إليها ، وما يلهى عن ذكر الله ويمنع عبادة الله أو يحبها حبا لا يبذلها في الحقوق الواجبة والمستحبة ، و
__________________
(١) سورة النحل : ٣٠.