واعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة وأكثرهم لك معونة تذكر فيعينونك وإن نسيت ذكروك قوالون بأمر الله قوامون على أمر الله قطعوا محبتهم بمحبة ربهم ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم ونظروا إلى الله عز وجل وإلى محبته
______________________________________________________
وتميز الخير من الشر والهدى من الضلالة ، وأهل الدنيا من أهل الآخرة والمحقين من المبطلين ومن يجب اتباعه من أهل الآخرة وأئمة الحق ومن يجب التبري عنه من أهل الدنيا وأصحابها وأئمة الضلالة ، فهذه هي الحكمة الحاصلة من الزهد في الدنيا فلما فازوا بهذا العلم فازوا بنعيم الآخرة « أيسر أهل الدنيا مؤنة » المؤنة بالفتح القوت والثقل ، وذلك لأنهم يكتفون بقدر الكفاية بل الضرورة ، والمعونة بالفتح القوت والثقل ، وذلك لأنهم يكتفون بقدر الكفاية بل الضرورة ، والمعونة مصدر بمعنى الإعانة « تذكر » أي حاجتك لهم « فيعينونك فيها » أو إذا كنت متذكرا لما يوجب صلاح أمر دنياك وآخرتك أعانوك على فعله ، وإن كنت ناسيا له ذكروك وأرشدوك إليه ثم يعينونك مع الحاجة إلى الإعانة « قوالون بأمر الله » أي بما أمر الله به أو بكل أمر يرضى الله به موعظة وإرشادا وتذكيرا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر « قوامون على أمر الله » بحفظ دين الله وشرائعه وأصول الدين وفروعه ، وبمنع أهل الباطل وأرباب البدع من التغيير والتحريف في دين الله.
« قطعوا محبتهم » أي عن كل شيء أو عما لا يرضى الله « بمحبة ربهم » أي بسببها أو جعلوا محبتهم تابعين لمحبة الله ولا يحبون شيئا إلا لحب الله له كقوله تعالى : « وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ » (١).
« وحشوا الدنيا » الوحشة ضد الأنس أي لم يستأنسوا بالدنيا « لطاعة مليكهم » أي مالكهم وسيدهم أو ذي الملك والسلطنة عليهم إما لأمره بالزهد في الدنيا أو لأن طاعة الله مطلقا والإخلاص فيها لا تجتمع مع حب الدنيا « نظروا إلى الله وإلى محبته بقلوبهم » الظرف في قوله بقلوبهم متعلق بنظروا ، أي لم ينظروا بعين قلوبهم
__________________
(١) سورة الإنسان : ٣٠.