بقلوبهم وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه أو كمال وجدته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء
______________________________________________________
إلا إلى الله أي رضاه أو معرفته ومراقبته وذكره وعدم الالتفات إلى غيره وإلى محبته أي تحصيل حبهم لله أو حب الله لهم أو الأعم كما قال تعالى : « يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ » (١) أو ما يحبه الله من الأخلاق والأعمال والأقوال.
« وعلموا أن ذلك » أي المذكور وهو الله ومحبته والإشارة للتعظيم « هو المنظور إليه » أي هو الذي ينبغي أن ينظر إليه لا غيره لعظمة شأنه وحقارة ما سواه بالنسبة إليه.
« فأنزل الدنيا » أي اجعلها عند نفسك كمنزل نزلته « ثم ارتحلت عنه » بل هذه الدنيا بالنسبة إلى الآخرة أقصر بالمراتب الغير المتناهية عن نسبة مدة نزول المنزل بالنسبة إلى مدة عمر الدنيا لأن الأولى نسبة المتناهي إلى غير المتناهي ، والثانية نسبة المتناهي إلى المتناهي.
والغرض العمدة من التشبيه أنها لم تخلق للتوطن بل للعبور كما أن منازل المسافر إنما بنيت لذلك وقد قال بعض الشعراء في هذا المعنى :
نزلنا ههنا ثم ارتحلنا |
|
كذا الدنيا نزول وارتحال |
أردنا أن نقيم فيها ولكن |
|
مقيم المرء في الدنيا محال |
وهذا مثل للمبتدين ثم ذكر مثلا كاملا للكاملين وهو « أو كما وجدته في منامك » إلخ ، فإن أكثر الناس في الدنيا كالنائمين لغفلتهم عن الآخرة وعما يراد بهم ، فإذا ماتوا لم يجدوا معهم شيئا مما اكتسبوه في الدنيا للدنيا ، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا.
ثم ذكر عليهالسلام تمثيلا ثالثا وهو أنها كفيء الظلال في سرعة الزوال ، والظلال
__________________
(١) سورة المائدة : ٥٤.