من الدنيا لم يكن شيئا إلا ما ينفع خيره ويضر شره إلا من رحم الله يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم والدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره وما بين الموت والبعث إلا
______________________________________________________
الوجه : يعني أن شيئا من الدنيا ليس شيئا يعتد به ويركن إليه العاقل لأنه إما خير أو شر ، وخيره لا ينفع لأنه في معرض الفناء والزوال ، وشره يضر إلا مع رحمة الله وهو الذي عصمه من الشر.
الخامس : أن كلمة ما مصدرية وضمير خيره راجعا إلى شيئا من الدنيا والإضافة من قبيل إضافة الجزء إلى الكل والاستثناء من مفعول يضر أي كان شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إلا نفع الطاعة فيه أو إضرار المعصية فيه كل أحد إلا من رحم الله بتوفيق التوبة ، وهذا يرجع إلى المعنى الثالث ، وعلي جميع التقادير الاستثناء الثاني مفرغ « عن نفسك » أي عن تحصيل ما ينفعها في يوم لا ينفع مال ولا بنون وقد قال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (١) والمراد بالأهل هنا أعم من الزوجة والأولاد وسائر من في بيته ، بل يشمل الأقارب أيضا.
قال الراغب : أهل الرجل من جمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد وضيعة ، فأهل الرجل في الأصل من جمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب ، وعبر بأهل الرجل عن امرأته وأهل الإسلام الذين يجمعهم.
قوله : كمنزل ، أي كمنزلين تحولت من أحدهما إلى الآخر ، والتصريح بتشبيه الدنيا للإشارة إلى أن الاهتمام هنا ببيان حاله أشد وأكثر ، والضمير في نمتها راجع إلى النومة وهو بمنزلة مفعول مطلق ، وهذا بالنسبة إلى المستضعفين ، وكان التخصيص بذكرهم لأن المتقين بعد الموت في النعيم والجنة ، والكفار في العذاب والنار ،
__________________
(١) سورة المنافقون : ٩.