إلا [ و ] في قلبه نوران نور خيفة ونور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا.
______________________________________________________
لها وينتظر مياه الأمطار حيث لا تغلب الأمطار ولا يمتنع سمي انتظاره تمنيا لا رجاء.
فإذا اسم الرجاء إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد ، ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختياره وهو فضل الله بصرف القواطع والمفسدات ، فالعبد إذا بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعة ، وطهر القلب عن شوك الأخلاق الرديئة وانتظر من فضل الله تعالى تثبيته على ذلك إلى الموت وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة كان انتظاره رجاء حقيقيا محمودا في نفسه باعثا له على المواظبة والقيام بمقتضى الإيمان في إتمام أسباب المغفرة إلى الموت ، وإن انقطع عن بذر الإيمان تعهده بماء الطاعات أو ترك القلب مشحونا برذائل الأخلاق ، وانهمك في طلب لذات الدنيا ثم انتظر المغفرة فانتظاره حمق وغرور ، كما قال تعالى : « فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا » (١) وإنما الرجاء بعد تأكد الأسباب ولذا قال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ » (٢) وأما من ينهمك فيما يكرهه الله ولا يذم نفسه عليه ولا يعزم على التوبة والرجوع فرجاؤه المغفرة حمق كرجاء من بث البذر في أرض سبخة وعزم على أن لا يتعهدها بسقي ولا تنقية.
فإذا عرفت حقيقة الرجاء ومظنته فقد عرفت أنها حالة أثمرها العلم بجريان أكثر الأسباب ، وهذه الحالة تثمر الجهد للقيام ببقية الأسباب على حسب الإمكان ، فإن من حسن بذره وطابت أرضه وغزر ماؤه صدق رجاؤه فلا يزال يحمله صدق الرجاء على تفقد الأرض وتعهده وتنقية كل حشيش ينبت فيه ، ولا يفتر عن تعهده أصلا إلى وقت الحصاد ، وهذا لأن الرجاء يضاده اليأس ، واليأس يمنع من التعهد
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٦٩.
(٢) سورة البقرة : ٢١٨.