ولا تكليف ، بل هو مجرد نفاذ القدرة في المقدور من غير منازعة ولا مدافعة ، ومن الناس من زعم أن القلم المذكور هاهنا هو العقل ، وأنه شئ كالاصل لجميع المخلوقات ، قالوا : والدليل عليه أنه روي في الاخبار أنه أول ما خلق الله ، وفي خبر [ آخر ] أن أول ما خلق الله العقل ، وفي خبر آخر : أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فذابت إلى آخر ما مر ، قالوا : فهذه الاخبار مجموعها تدل على أن العقل والقلم وتلك الجوهرة التي هي أصل. المخلوقات شئ واحد وإلا لتناقض (١) « انتهى ».
اقول : ويمكن الجمع بوجوه اخرى كما مر.
« وكل شئ أحصيناه كتابا » قال البيضاوي : « كتابا » مصدر لاحصيناه فإن الاحصاء والكتبة مشاركان (٢) في معنى الضبط ، أو لفعله المقدر ، أو حال بمعنى مكتوبا في اللوح أو صحف الحفظة (٣).
« في لوح محفوظ » قال الرازي : أي محفوظ عن أن يمسه إلا المطهرون ، أو عن اطلاع الخلق عليه سوى الملائكة المقربين ، أو عن أن يجري فيه تغيير وتبديل ثم قال : قال بعض المتكلمين : إن اللوح شئ يلوح للملائكة فيقرؤنه ، فلما (٤) كانت الاخبار والآثار واردة بذلك وجب التصديق به (٥) « انتهى ».
وأقول : ما ورد في الكتاب والسنة من أمثال ذلك لا يجوز تأويله والتصرف فيه بمحض استبعاد الوهم بلا برهان وحجة ونص معارض يدعو إلى ذلك ، وما ورد في بعض الاخبار أن اللوح والقلم ملكان لا ينافي ظاهره كما لا يخفى. ويظهر من الاخبار أن لله عزوجل لوحين : اللوح المحفوظ وهو لا يتغير ، ولوح المحو و الاثبات وفيه يكون البداء ، كما مر تحقيقه في بابه ، ويومئ إليه قوله سبحانه
____________________
(١) في المصدر : وإلا حصل التناقض. مفاتيح الغيب : ج ٨ ، ص ٢٦٠.
(٢) في المصدر : يتشاركان.
(٣) انوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٥٨٩.
(٤) في المخطوطة : ولما.
(٥) مفاتيح الغيب : ج ٨ ، ص ٥٢٨.