خلقا له ، وإنما هو الله عزجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما ، فما خلق الله عزوجل لم يعد أن يكون خلقه ، وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها ، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عزوجل.
واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس ، وكل حاسة تدل على ما جعل (١) الله عزوجل لها في إدراكها ، والفهم من القلب بجميع ذلك كله واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير ، وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر وليس في (٢) واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بنفسهما ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده ، فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ، ولا يعضده ولا يكنه (٣) والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته ، وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا ، وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا ، ولو وصفوا الله عزوجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ، ولما اختلفوا ، فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (٤) « تمام الخبر ».
بيان : « لا في شئ أقامه (٥) » أي في مادة قديمة كما زعمته الفلاسفة ، ومثله
____________________
(١) في بعض النسخ : خلق.
(٢) في العيون : في كل واحد.
(٣) في التوحيد : ولا يمسكه.
(٤) التوحيد : ص ٣١٨. العيون ، ج ١ ، ص ١٦٩.
(٥) ظاهر كلامه عليهالسلام أن الله تعالى حين خلق المخلوق الاول لم يقمه في شئ أى لم يجعله في مكان ولا موضوع ولا محل ، لانه لم يكن عندئذ شئ آخر حتى يقوم فيه ، ويلزم من ذلك أن لا يكون المخلوق الاول أمرا ماديا ، وإلالاحتاج إلى مكان أول محل لا محالة. و أما حديث قدم المادة فقد مرمنا أنها ليست أمرا متحصلا حتى يقال : هل هى قديمة أو حادثة زمانا؟ وتحصلها إنما يكون بالصور ، والصور الجسمانية حادثة زمانا عند الكل الا الصور الفلكية ، فانها على فرض وجودها غير حادثة زمانا عند بعض الفلاسفة فتدبر.