وقال بعض الصوفية : للزمان المادي زمان مجرد كالنفس للجسد ، وللمكان
____________________
السماء الاولى ، قال تعالى « وزينا السماء الدنيا بمصابيح » وقال تعالى « انازينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ».
واما الايام فالمتيقن انه لم يكن قبل خلق الارض يوم بمعناه المشهور ، اعنى ما يحصل من حركة الارض الوضعية ، لان هذا المعنى انما يمكن قرضه بعد وجود ارض متحركة : فالمراد بها اما ساعات مساوية لها ، او مقادير اخرى من الزمان اعتبرت أياما بعناية : كما يطلق الايام على السنين والاعوام بلى على القرون والاحقاب وهو استعمال شائع. وعلى أى تقدير فان قيل بوجود الزمان قبل خلق السماوات والارض فلابد من الالتزام بوجود جسم متحرك بحركة جوهرية أو عرضية قبلها وقد مر استظهار وجود الماء عندئذ والافمعنى وقوع خلق السماوات والارض في تلك الازمنة مقارنته لها : ويكفى في المقارنة كونها بحركتها راسمة للزمان.
وأما القول بان الزمان امر موهوم منتزع من بقاء ذات البارى سبحانه فان اريد ان ذاته تعالى منشأ لا نتزاعه ففيه مضافا إلى انه ينافى مخلوقيته ان الزمان امر سيال متصرم وحقيقته التجدد والتغير وما هذا شانه يستحيل انتزاعه مما لا سبيل للتغير اليه بوجه ، وكذلك القول بانتزاعه من الملائكة أو الارواح ، الا ان يقال بكونها اجساما قابلة للحركة فتصير كسائر الاجسام في صحة انتزاع الزمان من حركتها فتأمل. وان اريد انه امر موهوم لا اثر منه في الخارج اصلا فلا يمكن اناطة الابحاث الحقيقية كبحث القدم والحدوث الزمانين وغيره من الابحاث الهامة : مع انه بناء عليه لا يبقى فرق حقيقى بين الحوادث الماضية والاتية! وسيأتى الكلام فيه.
واما الكلام في وقوع الخلق مقارنا للايام الستة فالذى يظهر من الايات الشريفة ان المراد بالخلق ليس هو الاحداث الدفعى بل المراد الايجاد التدريجى : قال تعالى « هو الذى خلق السماوات والارض في ستة ايام » وقال « خلق الارض في يومين » وقال « وجعل فيها رواسى من فوقها و بارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام » والظاهر انه ليس المراد بهذه الاربعة اياما اخرى غير اليومين الاولين ، والا لما بقى لخلق السماوات شئ من ستة ايام ، وهو تعالى يقول بعيدهنا « فقضيهن سبع سماوات في يومين » فخلق الارض واكمالها إلى ان تستعد لوجود الرواسى و تهيئة الاقوات كل ذلك وقع في اربعة أيام ، الا ان يقال بتداخل ايام خلق السماوات في أيام خلق الارض ووقوع خلق السماوات مقارنا ليومين من ايام خلق الارض وكيف كان فيشبه ان يكون المراد بالايام التى خلقت فيها الارض الادوار التى مرت عليها من حين احداثها إلى ان صارت على حالها هذه واستعدت لنشوء الموجود الحى فيها ، فينطبق على ما ذكره علماء « الجيولوجيا » في ادوار الارض بعض الانطباق. وان يكون المراد باليومين اللذين خلق فيهما السماوات الدورتين اللتين مرنا عليها اعنى الدورة التى كانت مرتتقة غير متميزة ، والدورة التى فتقت وسويت سبع سماوات متميزة. وسيأتى نقلا عن تفسير القمى ان المراد باربعة أيام الفصول الاربعة لانها التى يخرج الله تعالى فيها اقوات الناس والبهائم وسائر الحيوانات والله العالم.