اخر حرب بينهم يوم بعاث (١) ، وكانت للأوس على الخزرج ، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس ، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة ، فنزل عليه فقال له : إنّه كان بيننا وبين قومنا حربٌ وقد جئناك نطلب الحلف عليهم.
فقال له عتبة : بعدت دارنا من داركم ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء.
قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟
قال له عتبة : خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله ، سفّه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبّاننا ، وفرّق جماعتنا.
فقال له أسعد : من هو منكم؟
قال : ابن عبدالله بن عبد المطّلب ، من أوسطنا شرفاً ، وأعظمنا بيتاً.
وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم ـ النضير وقريظة وقينقاع ـ : أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة ، لنقتلنّكم به يا معشر العرب. فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود ، قال : فأين هو؟
قال : جالسٌ في الحجر ، وإنّهم لا يخرجون من شعبهم إلاّ في الموسم ، فلا تسمع منه ولا تكلّمه فإنّه ساحرٌ يسحرك بكلامه. وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشّعب.
فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر ، لابدّ لي أن أطوف بالبيت؟
قال : ضع في اُذنيك القطن.
فدخل أسعد المسجد وقد حشا اُذنيه بالقطن ، فطاف بالبيت ورسول الله
__________________
(١) يوم بُعاث (بضم الباء) : يوم مشهور كان فيه حرب بين الأوس والخزرج. ويُعاث اسم حصن للأوس. «النهاية ١ : ١٣٩».