قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أخذتم بكظمه (١) ، وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه إلى بلاد الله العريضة ، فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ، ولايدفع عنها ضرّاً ، وحلأتموه (٢) ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش ، بئس ما خلّفتم محمّداً في ذرّيّته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ. فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين عليهالسلام.
ورمى عمر بن سعد بسهم وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمى ، ثمّ ارتمى الناس وتبارزوا ، فبرز يسار مولى زياد بن أبيه ، فبرز إليه عبدالله بن عمير فضربه بسيفه فقتله ، فشدّ عليه سالم مولى عبيدالله بن زياد فصاحوا به : قد رهقك العبد ، فلم يشعر حتّى غشيه فبدره بضربة اتّقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت أصابع كفّه ، ثمّ شدّ عليه فضربه حتّى قتله ، وأقبل وقد قتلهما وهو يرتجز ويقول :
إنْ تَنكروني فأنا ابنُ الكلب |
|
ّي امرؤٌ ذو مرة وَعضب (٣) |
ولستُ بالَخوّار عندَ النكب
وحمل عمرو بن الحجّاج على ميمنة أصحَاب الحسين عليهالسلام بمن كان معه من أهل الكوفة ، فلمّا دنا من الحسين عليهالسلام جثوا له على الركب واشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح ، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين عليهالسلام بالنبل فصرعوا منهم رجالاً وجرحوا آخرين.
__________________
(١) أخذتم بكظمه : أي بمخرج نفسه. «الصحاح ـ كظم ـ ٥ : ٢٠٢٣».
(٢) حلأه عن الماء : طرده ولم يدعه يشرب. «الصحاح ـ حلأ ـ ١ : ٤٥».
(٣) العضب : السيف القاطع. «العين ١ : ٢٨٣».