وقال ولنا في حل هذه الشبهة طريقان أحدهما أن يضم إلى المشروط المصرح بذكره غيره حتى يظهر تأثير ما شرط فيكون تقدير الآية « لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا » وغيره « إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » لأن الشرط في نفي الجناح لا بد من أن يكون له تأثير حتى يكون متى انتفى ثبت الجناح وقد علمنا أن باتقاء المحارم ينتفي الجناح فيما يطعم فهو الشرط الذي لا زيادة عليه ولما ولي ذكر الاتقاء الإيمان وعمل الصالحات ولا تأثير لهما في نفي الجناح علمنا أنه أضمر ما تقدم ذكره ليصح الشرط ويطابق المشروط لأن من اتقى الحرام فيما لا يطعم لا جناح عليه فيما يطعمه ولكنه قد يصح أن يثبت عليه الجناح فيما أخل به من واجب أو ضيعة من فرض فإذا شرطنا أنه وقع اتقاء القبيح ممن آمن بالله وعمل الصالحات ارتفع الجناح عنه من كل وجه وليس بمنكر حذف ما ذكرناه لدلالة الكلام عليه فمن عادة العرب أن يحذفوا ما يجري هذا المجرى ويكون قوة الدلالة عليه مغنية عن النطق به ومثله قول الشاعر
تراه كان الله يجدع أنفه |
|
وعينيه إن مولاه بات (١) له وفر |
لما كان الجدع لا يليق بالعين وكانت معطوفة على الأنف الذي يليق الجدع به أضمر ما يليق بالعين من الفقوء وما جرى مجراه (٢).
والطريق الثاني هو أن يجعل الإيمان وعمل الصالحات هنا ليس بشرط حقيقي وإن كان معطوفا على الشرط فكأنه تعالى لما أراد أن يبين وجوب الإيمان وعمل الصالحات عطفه على ما هو واجب من اتقاء المحارم لاشتراكهما في الوجوب وإن لم يشتركا في كونهما شرطا في نفي الجناح فيما يطعم وهذا توسع في البلاغة يحار فيه العقل استحسانا واستغرابا انتهى كلامه رحمهالله.
وقد قيل أيضا في الجواب في ذلك أن المؤمن يصح أن يطلق عليه أنه لا جناح عليه والكافر مستحق للعقاب مغمور فلا يطلق عليه هذا اللفظ وأيضا فإن الكافر قد سد
__________________
(١) في المصدر : ثاب له وفر.
(٢) في المصدر : من البخص وما يجرى مجراه.