قال أبي : من هؤلاء؟ قال الحجاب : هؤلاء القسيسون والرهبان ، وهذا عالم لهم يقعد اليهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم ، فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه ، وفعلت أنا فعل أبي ، فاقبل نحوهم حتى قعد نحوهم ، وقعدت وراء أبي ، ورفع ذلك في الخبر إلى هشام فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي.
فاقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بنا ، وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بحريرة صفراء حتى توسطنا فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلمين عليه فجاء إلى صدر المجلس ، فقعد فيه وأحاط به أصحابه وأبي وأنا بينهم فأدار نظره ثم قال لابي : أمنا أم من هذه الامة المرحومة؟ فقال أبي : بل من هذه الامة المرحومة فقال : من أين أنت من علمائها أم من جهالها؟ فقال له أبي : لست من جهالها فاضطرب اضطرابا شديدا ثم قال له : أسالك؟ فقال له أبي : سل ، فقال : من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل فيما تدعون من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل الجنين في بطن امه ، يطعم ولا يحدث ، قال : فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا ثم قال : كلا زعمت إنك ليست من علمائها ، فقال له أبي : ولا من جهالها (١) وأصحاب هشام يسمعون ذلك؟
فقال لابي : أسألك عن مسألة اخرى؟ فقال له أبي : سل ، فقال : من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة ، عند جميع أهل الجنة ، لا تنقطع ، وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي أن قرآننا (٢) أبدا غض طري موجود غير معدوم عند جميع المسلمين لا ينقطع ، فاضطرب اضطرابا شديدا ثم قال : كلا زعمت إنك لست من علمائها فقال له أبي : ولا من جهالها.
فقال : أسألك عن مسألة؟ فقال له : سل قال : أخبرني عن ساعة من ساعات
____________________
(١) في المصدر : فقال أبي : قلت لست من جهالها : وهكذا فيما ياتي.
(٢) في المصدر : الفرات.