فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما وقام النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم : جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى يهتكني ويفضحني ويعلم المسلمون أن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا ، لا والله لاكلمتكم من رأسي كلمة ولا قعدت لكم أن عشت سنة.
فتفرقوا وأبي قاعد مكانه ، وأنا معه ، ورفع ذلك الخبرإلى هشام بن عبدالملك فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه فوافانا رسول هشام بالجايزة ، وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ، ولا نحتبس لان الناس ماجوا وخاضوا فيما جرى بين أبي وبين عالم النصارى.
فركبنا دوابنا منصرفين ، وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة أن ابني أبي تراب الساحرين محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين بل هو الكذاب لعنه الله فيما يظهران من الاسلام وردا علي فلما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية فكرهت أن انكل بهما لقرابتهما ، فاذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس : برئت الذمة ممن يشاريهم أو يبايعهم أو يصافحهم أو يسلم عليهم ، فانهما قد ارتدا عن الاسلام ، ورأى أميرالمؤمنين أن يقتلهما ودوابهما وغلمانهما ومن معهما أشر قتلة.
قال : فورد البريد إلى مدينة مدين ، فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا له منزلا ، ويشتروا لدوابنا علفا ، ولنا طعاما ، فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا ، وشتمونا وذكروا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وقالوا : لا نزول لكم عندنا ، ولا شري ولا بيع ، يا كفار! يا مشركين يا مرتدين يا كذابين يا شر الخلائق أجمعين.
فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي ، ولين لهم القول ، وقال لهم اتقوا الله ولا تغلطون ، فلسنا كما بلغكم ، ولا نحن كما تقولون ، فاسمعونا (١)
____________________
(١) أي شتمونا.