يقنع ، يعجز عن شكر ما اوتي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ينهي ولا ينتهي ، ويأمر بما لا يأتى ، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض المذنبين وهو أحدهم يكره الموت لكثرة ذنوبه ، ويقيم على ما يكره الموت له (١).
إن سقم ظل نادما ، وإن صح أمن لاهيا ، يعجب بنفسه إذا عوفي ، ويقنط إذا ابتلى ، إن أصابه بلاء دعا مضطرا ، وإن ناله رخاء أعرض مغترا ، تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستقين ، يخاف على غيره بادنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله ، إن استغنى بطر وفتن ، وإن افتقر قنط ووهن ، يقصر إذا عمل ، ويبالغ إذا سأل ، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية ، وسوف التوبة وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملة ، يصف العبرة ولا يعتبر ، ويبالغ في المواعظ ولا يتعظ ، فهو بالقول مدل ، ومن العمل مقل ، ينافس فيما يفني ويسامح فيما يبقى ، يرى الغنم مغرما ، والغرم مغنما.
يخشى الموت ، ولا يبادر الفوت ، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللغو مع الاغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء يحكم على غيره لنفسه ، ولا يحكم عليها لغيره ، يرشد غيره ، ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصى ، ويستوفي ولا يوفى ، ويخشى الخلق في غير ربه ، ولا يخشى ربه في خلقه.
قال السيد رضياللهعنه : ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة ، وحكمة بالغة ، وبصيرة لمبصر ، وعبرة لناظر مفكر (٢).
٣١ ـ نوادر الراوندي : باسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهمالسلام
____________________
(١) يعني أنه يكره الموت لكثرة ذنوبه لئلا يدركه الموت على تلك الحال وعلى أحد الذنوب فتكون له عقبى السوء ، لكنه مع ذلك يقيم على تلك الذنوب ويداوم عليها ولا يرعوي عنها.
(٢) نهج البلاغة الرقم ١٥٠ من الحكم.