وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار حزنا ولذلك يصفر اللون ، وان كان الغضب على نظير يشك فيه تولد منه تردد بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ، ويضطرب.
وبالجملة فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب ، لطلب الانتقام وانما يتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع الموذيات ، قبل وقوعها ، والى التشفي والانتقام بعد وقوعها ، والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها ، وفيه لذتها ، ولا تسكن الا به.
ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في اول الفطرة وبحسب ما يطرأ عليها من الامور الخارجة من التفريط والافراط والاعتدال ، اما التفريط فبفقد هذه القوة او ضعفها بان لايستعملها فيما هو محمود عقلا وشرعا مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ ، والجهاد مع أعدائه والبطش عليهم ، واقامة الحدود على الوجه المعتبر ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم الغيرة على حرمه وأشباه ذلك.
وهذا مذموم معدود من الرذايل النفسانية ، وقد وصف الله تعالى الصحابة بالشدة والحمية ، فقال «أشداء على الكفار» (١) وقال تعالى «يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم» (٢) وانما الغلظة والشة من آثار قوة الحمية وهو الغضب ، واما الافراط فهو الاقدام على ماليس بالجميل ، واستعمالها فيما هو مذموم عقلا وشرعا مثل الضرب والبطش والشتم والنهب والقتل والقذف وأمثال ذلك مما لايجوزه العقل والشرع.
واما الاعتدال فهو غضب ينتظر اشارة العقل والدين ، فينبعث حيث تجب الحمية ، وينطفي حيث يحسن الحلم ، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله تعالى به عباد ، وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلىاللهعليهوآله حيث قال :
____________________
(١) الفتح : ٢٩
(٢) التحريم : ٩