خير الامور أوساطها ، فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه ضعف الغيرة وخسة النفس واحتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه ومن ماله غضبه إلى الافراط حتى جره إلى التهور واقتحام الفواحش ، فينبغي أن يعالج نفسه ليسكن من سورة الغضب ، ويقف على الوسط الحق بين الطرفين ، فهو الصراط المستقيم ، وهو ادق من الشعر ، وأحد من السيف فينبغي أن يسعى في ذلك بحسب جهده ، ويتوسل إلى الله تعالى في أن يوفقه لذلك.
٢٣ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن ابيه ، عن ميسر قال : ذكر الغضب عند ابي جعفر عليهالسلام فقال : إن الرجل ليغضب فما يرضى ابدا حتى يدخل النار ، فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك ، فانه سيذهب عنه رجز الشيطان ، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه ، فليمسه ، فانالرحم إذا مست سكنت (١).
بيان : فما يرضى ابدا فيه تنبيه على أنه ينبغي أن لا يغضب وإن غضب لا يستمر عليه ، بل يعالجة قريبا بالسعي في الرضا عنه ، إذ لو استمر عليه اشتد غضبه آنا فآنا وشيئا فشيئا إلى أن يصدر عنه ما يوجب دخوله النار ، كالقتل والجرح وأمثالهما ، أو يصير الغضب له عادة وخلقا ، فلا يمكنه تركه ، حتى يدخل بسببه النار.
واعلم أن علاج الغضب أمران : علمي وفعلي أما العلمي فبأن يتفكر في الآيات والروايات التي وردت في ذم الغضب ، ومدح كظم الغيظ والعفو والحلم ويتفكر في توقعه عفو الله عن ذنبه ، وكف غضبه عنه ، وأما الفعلي فذكر عليهالسلام هنا أمران :
الاول قوله : «فأيما رجل» «ما» زائدة «من فوره» كأن «من» بمعنى «في» وقال الراغب : الفور شدة الغليان ، ويقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت ، وفي القدر وفي الغضب ، ويقال : فعلت كذا من فوري أي في غليان
____________________
(١) الكافي ج ٢ ص ٣٠٢.