الله فان ذلك القدر ليس من الدنيا.
وكل من كانت معرفته أقوى وأتقن ، كان حذره من نعيم مالدنيا أشد ولهذا روى الله تعالى الدنيا عن نبينا صلىاللهعليهوآله فكان يطوي أياما ، وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع ، ولهذا سلط الله البلاء والمحن على الانبياء والاولياء ثم الامثل فالامثل كل ذلك نظرا لهم ، وامتنانا عليهم ، ليتوفر من الآخرة حظهم كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذيد الفواكه ، ويلزمه ألم الفصد والحجامة شفقة عليه وحبا له ، لا بخلا به عليه ، وقد عرفت بهذا أن كل ما ليس لله فهو للدنيا وما هو لله فليس من الدنيا.
فان قلت : فما الذي هو لله؟ فأقول : الاشياء ثلاثة أقسام : منها ما لا يتصور أن يكون لله ، وهو الذي يعبر عنه بالمعاصي والمحظورات وأنواع التنعمات في المباحات ، وهي الدنيا المحضة المذمومة ، فهي الدنيا صورة ومعنى.
ومنها ما صورتها لله ، ويمكن أن يجعل لغير الله ، وهي ثلاثة : الفكر والذكر والكف عن الشهوات ، فهذه الثلاث إذا جرت سرا ولم يكن عليها باعث سوى أمر الله واليوم الآخر فهي لله ، وليست من الدنيا ، ولن كان الغرض من النظر طلب العلم للشرف ، وطلب القبول بين الخلق باظهار المعرفة ، أو كان الغرض من ترك الشهوة حفظ المال أو الحمية لصحة البدن أو الاشتهار بالزهد فقد صار هذا من الدنيا بالمعنى ، وإن كان يظن بصورتها أنها لله.
ومنها ما صورتها لحظ النفس ، ويمكن أن يجعل معناه لله ، وذلك كالاكل والنكاح وكل ما لا يرتبط به بقاؤه وبقاء ولده ، فان كان القصد حظ النفس فهو من الدنيا ، ولن كان القصد الاستعانة على التقوى فهو لله بمعناه ، وان كان صورته صورة الدنيا ، قال صلىاللهعليهوآله : من طلب من الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا لقي الله وهو عليه غضبان ، ومن طلبها استعفافا عن المسألة وصيانة لنفسه جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر.