انظر كيف اختلف ذلك بالقصد ، فاذا الدنيا حظ نفسك العاجل الذي لا حاجة إليه لامر الآخرة ، ويعبر عنه بالهوى ، وإليه أشار قوله تعالى : «ونهى النفس عن الهوى * فان الجنة هي المأوى» (١).
واعلم أن مجامع الهوى خمسة أمور ، وهي ما جمعه الله عزوجل في قوله : «إنما الحيوة الدنيا لهو ولعب وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد» (٢) والاعيان التي تحصل منها هذه الامور سبعة يجمعها قوله تعالى : «زين للناس حب الشهواة من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا والله عنده حسن المآب» (٣) فقد عرفت أن كل ما هو لله فليس من الدنيا ، وقدر ضرورة القوت وما لا بد منه من مسكن وملبس فهو لله إن قصد منه وجه الله ، والاستكثار منه تنعم وهو لغير الله ، وبين التنعم والضرورة درجة يعبر عنها بالحاجة ، ولها طرفان وواسطة ، طرف يقرب من حد الضرورة فلا يضر ، فان الاقتصار على حد الضرورة غير ممكن ، وطرف تتآخم جانب التنعم ويقرب منه وينبغي أن يحذر ، وبينهما وسائط متشابهة ، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، والحزم في الحذر والتقوى ، والتقرب من حد الضرورة ما أمكن اقتداء بالانبياء والاولياء.
ثم قال : اعلم أن الدنيا عبارة من أعيان موجودة ، وللانسان فيها حظ وله في إصلاحها شغل ، فهذه ثلاثة أمور قد يظن أن الدنيا عبارة عن آحادها ، وليس كذلك أما الاعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها فهي الارض وما عليها قال الله تعالى : «إنا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا» (٤) فالارض فراش للادميين ومهاد ومسكن ومستقر وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب ومنكح.
____________________
(١) النازعات : ٤١٤٠.
(٢) الحديد : ٢٠.
(٣) آل عمران : ١٤.
(٤) الكهف : ٧.