ويجمع ما على الارض ثلاثة أقسام المعادن والنبات والحيوان. أما المعادن فيطلبها الادمي للالات والاواني كالنحاس والرصاص أو للنقد كالذهب والفضة ولغير ذلك من المقاصد ، وأما النبات فيطلبها الادمي للاقتات والتداوي ، وأما الحيوان فينقسم إلى الانسان والبهائم أما البهائم فيطلب لحومها للمأكل وظهورها للمركب والزينة ، وأما الانسان فقد يطلب الادمي أن يملك أبدان الناس ليستخدمهم و يستسخرهم كالغلمان أو ليتمتع بهم كالجواري والنسوان ويطلب قلوب الناس ليملكها فيغرس فيها التعظيم والاكرام ، وهو الذي يعبر عنه بالجاه ، إذ معنى الجاه ملك قلوب الآميين.
فهذه هي الاعيان التي يعبر عنها بالدنيا وقد جمعها الله تعالى في قوله «زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين» وهذا من الانس «والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة» وهذا من الجواهر والمعادن وفيه تنبيه على غيرها من اللئالي واليواقيت «والخيل المسمومة والانعام» وهي البهائم والحيوانات «والحرث» وهو النبات والزرع.
فهذه هي أعيان الدنيا ، إلا أن لها من العبد علاقتين : علاقة مع القلب وهو حبه لها وحظه منها ، وانصراف قلبه إليها حتى تصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر بالدنيا ، ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلقة بالدنيا كالكبر والغل والحسد والرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة ، وحب الثناء وحب التكاثر والتفاخر ، فهذه هي الدنيا الباطنة ، وأما الظاهرة فهي الاعيان التي ذكرناها ، والعلاقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله باصلاح هذه الاعيان ليصلح لحظوظه وحظوظ غيره ، وهي جملة الصناعات والحرف التي الخلق مشغولون بها والخلق إنمانسوا أنفسهم ومآلهم ومنقلبهم لهاتين العلاقتين : علاقة القلب بالحب وعلاقة البدن بالشغل ، ولو عرف ربه وعرف نفسه وعرف حكمة الدنيا وسرها علم أن هذه الاعيان التي سميتها دنيا لم تخلق إلا لعلف الدابة التي تسير بها إلى الله تعالى وأعني بالدابة البدن ، فانه لا يبقى إلا بمطعم وملبس ومسكن