وتقلد الاعمال عمال السلطانية ، لينفذوا أمرهم بها على طائفة من الناس ويرون أنهم إذا اتسعت ولايتهم ، وانقادت لهم رعاياهم ، فقد سعدوا سعادة عظيمة ، وأن ذلك غاية المطلب ، وهذا أغلب الشهوات على قلوب المتغافلين من الناس فهؤلاء شغلهم حب تواضع الناس لهم عن التواضع لله وعن عبادته ، وعن التفكر في آخرتهم ومعادهم.
ووراء هذا طوائف يطول حصرها تزيد على نيف وسبعين فرقة كلهم ضلوا واضلوا عن سواء السبيل ، وإنما جرهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم والملبس والمسكن ، فنسوا ما يراد له هذه الامور الثلاثة والقدر الذي يكفي منها ، وانجرت بهم أوايل اسبابها إلى أواخرها ، وتداعت لهم إلى مبادي لم يمكنهم الترقي منها.
فمن عرف وجه الحاجة إلى هذه الاسباب والاشغال ، وعرف غاية المقصود منها فلا يخوض في شغل وحرفة وعمل إلا وهو عالم بمقصوده ، وعالم بحظه ونصيبه منه وأن غاية مقصوده تعهد بدنه بالقوة والكسوة حتى لا يهلك ، وذلك إن سلك فيه سبيل التقليل اندفعت الاشغال ، وفرغ القلب وغلب عليه ذكر الآخرة ، وانصرفت الهمة إلى الاستعداد له ، وإن تعدى به قدر الضرورة ، كثرت الاشغال وتداعى البعض إلى البعض وتسلسل إلى غير نهاية ، فتشعب به الهموم ومن تشعب به الهموم في أودية الدنيا فلا يبال الله في اي واد أهلكه.
فهذا شان المنهمكين في أشغال الدنيا وتنبه لذلك طائفة فأعرضوا عن الدنيا فحسدهم الشيطان ، فلم يتركهم واضلهم في الاعراض أيضا حتى انقسموا إلى طوايف فظنت طائفة أنالدنيا دار بلاء ومحنة ، وأن الاخرة دار سعادة لكل من وصل إيها سواء تعبد في الدنيا أو لم يتعبد فرأوا أن الصواب في أن يقتلوا أنفسهم للخلاص من محنة الدنيا وإليه ذهب طوائف من عباد الهند فهم يتهجمون على النار ويقتلون أنفسهم بالاحراق ، ويظنون أن ذلك خخلاص منهم من سجن الدنيا.
وظنت طائفة أخرى أن القتل لا يخلص بل لا بد أولا من إماتة الصفات البشرية وقلعها عن النفس بالكلية ، وأن السعادة في قطع الشهوة والغضب ، ثم أقبلوا على المجاهدة فشدوا على أنفسهم حتى هلك بعضهم بشدة الرياضة ، وبعضهم فسد