إليها ، وأما إذا منعت تلك القوى عن مقتضاها ، وصرفتها عن هواها ، وروضتها بمقامع الشريعة ، وأدبتها بآداب الطريقة ، حتى غلبت عليها ، وصفت عن كدوراتها وطهرت عن خبائث لذاتها ، وتحلت بالاخلاق الفاضلة ، والاعمال الصالحة والآداب السنية ، والاطوار الرضية ، ضاقت بها الارض حتى تسمو إلى عالم النور ، فتشاهد العالم الاعلى بالعيان ، وتنظر إلى الحق بعين العرفان ، ويزداد لها نور الايمان والايقان ، فتعاف جملة الدنيا ، والاستقرار في الارض ، فبدنها في هذه الدنيا ، وهي في العالم الاعلى ، فيصير كما قال عليهالسلام : لولا الاجال التي كتبت عليهم لم يستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة عين ، ولذا قال مولى المؤمنين عند الشهادة : فزت ورب الكعبة.
٢٩ ـ كا : عن علي [ عن أبيه ] عن علي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن عبدالرزاق بن همام ، عن معمر بن راشد ، عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال : سئل علي بن الحسين عليهالسلام أي الاعمال افضل عند الله عزوجل ، فقال : ما من عمل بعد معرفة الله عزوجل ومعرفة رسوله صلىاللهعليهوآله افضل من بغض الدنيا ، وإن لذلك لشعبا كثيرة ، وللمعاصي شعبا : فأول ما عصي الله به الكبر وهي معصية إبليس حين «أبى واستكبر و كان من الكافرين» (١) والحرص وهي معصية آدم وحوا حين قال الله عزوجل لهما : «كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين» (٢) فأخذا ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيمة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه ، ثم الحسد وهي معصيه ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله.
فتشعب من ذلك حب النساء ، وحب الدنيا ، وحب الرياسة ، وحب الراحة ، وحب الكلام ، وحب العلو و [ حب ] الثروة ، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا ، فقال الانبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حب الدنيا
____________________
(١) البقرة : ٣٤. (٢) الاعراف : ١٩.