سيد الساجدين : عمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك فاذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك. ولو لم يكن الكون في الدنيا صلاحا للعباد ، لتحصيل الذخاير للمعاد ، لما أسكن الله الارواح المقدسة في تلك الابدان الكثيفة ، وسيأتي خطبة أمير المؤمنين عليهالسلام في ذلك ، وسنتكلم عليها إنشاء الله تعالى.
الثاني : الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها ، وهذه ايضا ليست مذمومة بأسرها بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو وسيلة إليها وما يلهي عن ذكر الله ويمنع عبادة الله ، أو يحبها حبا لا يبذلها في الحقوق الواجبة والمستحبة ، وفي سبل طاعة الله كما مدح الله تعالى جماعة حيث قال «رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة» (١).
وبالجملة المذموم من ذلك الحرص عليها وحبها ، وشغل القلبق بها ، والبخل بها في طاعة الله وجعلها وسيلة لما يبعد عن الله ، وأما تحصيلها لصرفها في مرضاة الله وتحصيل الآخرة بها فهي من افضل العبادات وموجبة لتحصيل السعادات.
وقد روي في الصحيح عن ابن ابي يعفور قال : قلت لابي عبدالله عليهالسلام : إنا لنحب الدنيا فقال لي : تصنع بها ماذا؟ قلت : أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي ، وأنيل إخواني واتصدق ، قال لي : ليس هذا من الدنيا ، هذا من الآخرة.
وقد روي نعم المال الصالح للعبد الصالح ونعم العون الدنيا على الآخرة وسيأتي بعض الاخبار في ذلك في أبواب المكاسب إنشاء الله تعالى.
الثالث : التمتع بملاذ الدنيا من المأكولات والمشروبات والملبوسات والمنكوحات والمركوبات والمساكن الواسعة وأشباه ذلك ، وقد وردت أخبار كثيرة في استحباب التلذذ بكثير من ذلك ، ما لم يكن مشتملا على حرام أو شبهة أو إسراف وتبذير وفي ذم تركها والرهبانية ، وقد قال تعالى «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق» (٢).
____________________
(١) النور : ٣٧.
(٢) الاعراف : ٣٢.