ولكن الله كفاك ذلك بمن سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه لتحفظه فيه وتسير فيه بسيرته فتطعمه مما تأكل ، وتلبسه مما تلبس ، ولا تكلفه ما لا يطيق ، فان كرهته خرجت إلى الله منه واستبدلت به ، ولم تعذب خلق الله ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الرحم فحق امك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا ، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة بذلك فرحة موبلة محتملة لما فيه مكروهها وألمه وثقله وغمه ، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الارض فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظلك وتضحى وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء ، وحجرها لك حواء وثديها لك سقاء ، ونفسها لك وقاء ، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك ، فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه.
وأما حق أبيك فتعلم أنه أصلك وأنك فرعه وأنك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه واحمد الله واشكره على قدر ذلك [ ولا قوة إلا بالله ].
وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته من حسن الادب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه ، فمثاب على ذلك ومعاقب فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاخذ له منه ولا قوة إلا بالله.
وأما حق أخيك فتعلم أنه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجي إليه وعزك الذي تعتمد عليه ، وقوتك التي تصول بها ، فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ولا عدة للظلم بخلق الله ، ولا تدع نصرته على نفسه ، ومعونته على عدوه والحول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه ، والاقبال عليه في الله فان انقاد لربه وأحسن الاجابة له ، وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه.