من إقتار ، والبشر بجميع العالم ، والانصاف من نفسه (١).
بيان : الاقتار التضييق على الانسان في الرزق ، يقال : أقتر الله رزقه : أي ضيقه وقلله ، والانفاق أعم من الواجب والمستحب وكأن المراد بالاقتار عدم الغنى والتوسعة في الرزق ، وإن كان له ـ زائدا على رزقه ورزق عياله ـ ما ينفقه ، ويحتمل شموله للايثار أيضا بناء على كونه حسنا مطلقا أو لبعض الناس ، فان الاخبار في ذلك مختلفة ظاهرا فبعضها يدل على حسنه ، وبعضها يدل على ذمه وأنه كان ممدوحا في صدر الاسلام ، فنسخ.
وربما يجمع بينهما باختلاف ذلك بحسب الاشخاص ، فيكون حسنا لمن يمكنه تحمل المشقة في ذلك ويكمل توكله ، ولا يضطرب عند شدة الفاقة ، ومذموما لمن لم يكن كذلك ، وعسى أن نفصل ذلك في موضع آخر إنشاء الله (٢) وربما يحمل ذلك على من ينقص من كفافه شيئا ويعطيه من هو أحوج منه ، أو من لا شئ له.
«والبشر بجميع العالم» هذا إما على عمومه ، بأن يكون البشر للمؤمنين لايمانهم وحبه لهم ، وللمنافقين والفساق تقية منهم ومداراة لهم كما قيل : دارهم مادمت في دارهم ، وارضهم ما كنت في أرضهم ، أو مخصوص بالمؤمنين كما يعشر به الخبر الاتي وعلى التقدير لابد من تخصيصه بغير الفساق الذين يعلم من حالهم أنهم يتركون المعصية إذا لقيتهم بوجه مكفهر ، ولا يتركونها بغير ذلك ، ولا يتضرر منهم في ذلك فان ذلك أحد مراتب النهي عن المنكر الواجب على المؤمنين.
والانصاف من نفسه : هو أن يرجع إلى نفسه ، ويحكم لهم عليها فيما ينبغي أن يأتي به إليهم من غير أن يحكم عليه حاكم ، وسيأتي في باب الانصاف «هو أن يرضى لهم ما يرضى لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه» قال الرغب : الانصاف في المعاملة العدالة وهو أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا مثل ما يعطيه ، ولا ينيله من المضار إلا مثل ما يناله منه ، وقال الجوهري : أنصف أي عدل ، يقال : أنصفه من نفسه ، وانتصفت
____________________
(١) الكافى ج ٢ ص ١٠٣.
(٢) سيجئ تفصيل ذلك تحت الرقم ٤٦ من الباب ١٥.