والحمرة الشرقيتان إلى أن تطلع الشمس من المشرق.
وفي هذه الحالات تقليب للحالة الاولى ، وانعكاس لامرها ، وكذلك إذا طلع الشمس من المشرق ، كثر النور في الجهات الشرقية ، والظل ممتد من جهة الغرب ، وكلما ارتفع نقص الظل وازداد النور والشعاع وارتفاع الشمس ، وجميع مايترتب على ذلك حتى إذا زالت الشمس انعكس الامر ، وانقلبت الحال ، فصارت الجهات الغربية في حكم الشرقية وبالعكس انتهى.
أقول : يرد عليه أنه مخالف لماورد في ساير الايات من إيلاج الليل في النهار ، وتكوير الليل على النهار (١) وغير ذلك ، والظاهر أن يكون على سياق تلك الايات ، مع أن ذلك ليس تقليب الليل والنهار ، بل لنصف الليل ونصف النهار ، وعلى ما اخترناه يمكن توجيهه بوجه آخر أظهر ، وأوفق بسائر الايات ، و هو أن يقال الليل مقلوب النهار ، والنهار مقلوب الليل ، من جميع الوجوه ، إذ ابتداء اليوم ظهور البياض ثم الصفرة ، ثم الحمرة ، ثم يطلع الشمس ، وكلما ارتفعت ازدادت نورا ، وهكذا إلى الزوال ، ثم ينقص النور إلى أن تغيب ، ثم
____________________
(١) ليس المراد من ايلاج الليل في النهار وبالعكس ، وهكذا تكوير الليل على النهار ما يزيد في مدة النهار والليل بحسب الفصول ، بل المراد ايلاج الليل وسواده في بطن النهار وضيائه من جهة المغرب على الاستدامة وايلاج النهار في بطن الليل في المشرق هكذا الا أن ذلك يترائى لمن خرج ببصره أو بفكره وخياله عن الارض وعرج بروحه إلى السماء وتصور كرة الارض في مقابلته ، فحينئذ يشاهد كيف يلج سواد الليل في بطن الضياء من جهة المغرب ، وكيف يلج ضياء النهار في دبر الليل من جهة المشرق ، وهكذا كيف يكور ويلف أطراف الليل على النهار كأنه يستر الضياء بذيله من جهة المغرب وكيف يلف أطراف النهار بضيائه الليل كأنه يستر السواد بلفاف بياضه ، كل هذا على التشبيه البليغ البديع يجعل كيفية الامساء والاصباح وانسلاخ الليل من النهار مشاهدا لحس المتفكرين وينبه على عظمة الابداع وحسنه كأن تلك الايات يعرج بروح المؤمن إلى فوق الافق خارج الكرة الارضية ويشاهده تلك البدايع ومحاسن الصنع ليعرف عظمة ربه.