معناه ليس منا من لم يستغن به ، ولا يذهب به إلى الصوت.
وقد روي : أن من قرأ القرآن فهو غني لا فقر بعده ، وروي : أن من اعطي القرآن فظن أن أحدا اعطي أكثر مما اعطي ، فقد عظم صغيرا وصغر كبيرا ، فلا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أحدا من أهل الارض أغنى منه ولو ملك الدنيا برحبها. ولو كان كما يقوله قوم : إنه الترجيع بالقراءة ، وحسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك أن يكون من لم يرجع صوته بالقرءة فليس من النبي صلىاللهعليهوآله حين قال : ليس منا من لم يتغن بالقرآن (٦).
____________________
بطول المقام أشبه منه بالاستغناء لان المقام يوصف بالطول ولا يوصف الاستغناء بذلك فيكون معنى الخبر على هذا الوجه : من لم يقم على القرآن فلى منا ، أى فلا يتجاوزه إلى غيره ، ولا يتعداه إلى سواه ، ويتخذه مغنى ومنزلا ومقاما.
أقول وقد أنشد بيت الاعشى ( طويل الثواء طويل التغن ) كما في شرح شواهد الكشاف ص ١٤٦ ، واستدل به على أن التغنى قد يجئ بمعنى الاقامة ، ولكن استشهد به في التاج على أنه بمعنى الاستغناء كما في أقرب الموارد.
(٦) في كلام أبى عبيد هذا ظر ، فان قوله صلىاللهعليهوآله ( من لم يتغن بالقرآن فليس منا ) على أن يكون أراد به الغناء ، ليس أنه كل من لم يرجع صوته بغناء القرآن فليس منه ، بل من كان حسن الصوت قادرا على الغناء ، ومعذلك لم يرجع صوته بغناء القرآن زعما منه أن ذلك خطاء وبدعة أو لهو لا يليق بالقرآن الكريم. فكلامه صلىاللهعليهوآله هذا كقوله ( من ترك الحية خوفا من تبعتها فليس منى ) يعنى حية الوادى ، فمن تركها ولم يقتلها زعما منه أنها مخلوقة لله تعالى لها حياة وروح شاعرة ، وقتلها ابادة لخلقة وأذية وألم لها فليس منه ، لا أن من رأى الحية ولم يجسر أن يقتلها خوفا على نفسه ، او لغير ذلك من الاعذار ، فليس منه ، ومثل هذا في الاخبار كثير والذى عندى أن العرب في قوله ( تغنى ) يذهب إلى معنى الصوت وطنينه ولا يلتفت إلى معناه الاصلى وهو ضد الفقر ، فكانه مأخوذ من الكلمة الجامدة وهى الغنة : طنين صوت الذباب والنحل ، وهى من الانسان صوته من قبل خيشومه فاذا قيل : تغنى أو غنى بالشعر يعنى أنه رفع صوته بالشعر ونحوه حتى طن