كما صبر اولوا العزم من الرسل ) (١) وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته ، بقوله : ( لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة ) (٢) فحسبك من الجواب في هذا الموضع ما سمعت ، فان شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه.
ثم قال عليهالسلام بعد ذكر بعض الايات الواردة في شأنهم عليهمالسلام وتأويلها : وإنما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعملها غيره ، وغير أنبيائه وحججه في أرضه ، لعلمه بما يحدث في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه ، وتلبيسهم ذلك على الامة ، ليعينوهم على باطلهم ، فأثبت فيه الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه ، وجعل أهل الكتاب القائمين به ، العالمين بظاهره وباطنه ، من شجرة ( أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ) (٣) أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الايات التي بينت لك تأويلها لاسقطوها مع ما أسقطوا منه ، ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بايجاب الحجة على خلقه ، كما قال الله : ( فلله الحجة البالغة ) أغشى أبصارهم وجعل على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك ، فتركوه بحاله ، وحجبوا عن تأكيد الملتبس بابطاله ، فالسعداء ينتبهون عليه ، والاشقياء يعمهون عنه ، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور.
ثم إن الله جل ذكره بسعة رحمته ، ورأفته بخلقه ، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه ، قسم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ، ولطف حسه ، وصح تمييزه ، ممن شرح الله صدلاه للاسلام ، وقسما لا يعرفه إلا الله وامناؤه والراسخون في العلم
____________________
(١) الاحقاف : ٣٥.
(٢) الاحزاب : ٢١.
(٣) ابراهيم : ٢٤.