وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلىاللهعليهوآله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار بمن ولاه أمرهم ، فاستكبروا عن طاعته ، تعززا وافتراء على الله عزوجل ، واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم ، وعاند الله جل اسمه ورسوله صلىاللهعليهوآله.
فأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول الله من كتاب الله فهو قول الله سبحانه : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (١) وقوله : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) (٢) ولهذه الاية ظاهر وباطن ، فالظاهر قوله : ( صلوا عليه ) والباطن قوله : ( وسلموا تسليما ) أي سلموا لمن وصاه واستخلفه عليكم فضله ، وما عهد به إليه تسليما ، وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه ، وصفا ذهنه ، وصح تمييزه.
وكذلك قوله : ( سلام على آل ياسين ) (٣) لان الله سمى النبي صلىاللهعليهوآله بهذا الاسم حيث قال : ( يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين ) لعلمه أنهم يسقطون قول : ( سلام على آل محمد ) كما أسقطوا غيره ، وما زال رسول الله صلىاللهعليهوآله يتألفهم ويقربهم وبجلسهم عن يمينه وشماله ، حتى أذن الله عزوجل له في إبعادهم بقوله : ( واهجرهم هجرا جميلا ) (٤) وبقوله : ( فما للذين كفروا قبلك مهطعين * عن اليمين وعن الشمال عزين * أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ) (٥) وكذلك قال الله عزوجل : ( يوم ندعوا كل اناس بامامهم ) (٦) ولم سم بأسمائهم وأسماء آبائهم وامهاتهم.
وأما قوله : ( كل شئ هالك إلا وجهه ) (٧) فالمراد كل شئ هالك إلا دينه لان من المحال أن يهلك منه كل شئ ، ويبقى الوجه ، هو أجل وأعظم
____________________
(١) النساء : ٨٠.
(٢) الاحزاب : ٥٦.
(٣) الصافات : ١٣٠.
(٤) المزيل : ١٠.
(٥) المعارج : ٣٦ ٣٩.
(٦) القصص : ٨٨.