ولوجود هذه الروايات تعددت آراء علماء السنّة فيما يراد بـ " النهي عن الكتابة ". فرأى البعض أنّ حديث النهي منسوخ ، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن ، فلمّا أمن من ذلك أذن في الكتابة.
وأمّا مناع القطان فنقلاً عن أقوال بعض العلماء رأى إنّما النهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة. (١)
ومهما يكن من الأمر فإنّ القائل بأنّ السنّة دوّنت في القرن الثاني للهجرة نفى بدء كتابتها في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ وذلك لشيوع الأمية ، وخوفهم من اختلاط السنّة بالقرآن ، ولئلا ينصرف الناس بحفظ السنة عن حفظ القرآن.
أقول : إنّ القول بأنّ كتابة السنّة قد ابتدأت منذ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لهو الأقرب إلى الواقع. وحجّة النافي بأنّ النهي كان لشيوع الأمية مرفوض بالقول بأنّ الأمية ليست سمة المسلمين على وجه العموم ، ويشهد على ذلك أنّ الرسول أذن لأسرى بدر بأن يفدي كلّ كاتب منهم نفسه بتعليم عشرة من سكان المدينة الكتابة والقراءة. وهذا يدلّ على أنّ المسلمين يجيدون الكتابة والقراءة. فكيف يقال بعد ذلك لكون شيوع الأمية نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
______________________
(١) مناع القطان ، مباحث في علوم القرآن ، ص ٩٥.