« مايكون من نجوى ثلثة إلا هورابعهم » (١) فانما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التي ركبها فيهم على جميع خلقه ، وأن فعلهم فعله ، فافهم عني ما أقول لك ، فاني إنما أزيدك في الشرح لاثلج في صدرك ، وصدرمن لعله به اليوم يشك في مثل ما شككت فيه ، فلا يجد مجيبا عمايسأل عنه ، لعموم الطغيان والافتتان ، ولا ضطرار أهل العلم بتأويل الكتاب إلى الاكتتمام والاحتجاب ، خيفة من أهل الظلم والبغي.
أما إنه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستورا ، والباطل ظاهرا مشهورا ، وذلك إذا كان أولى الناس به أعداهم له ، واقترب الوعد الحق ، وعظم الالحاد ، وظهر الفساد ، هنا لك ابتلي المؤمنون ، وزلزلوا زلزالا شديدا ، ونحلهم الكفار أسماء الاشرار ، فيكون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه ثم يتيح الله الفرج لاوليائه ، فيظهر صاحب الامر على أعدائه.
وأما قوله : « ويتلوه شاهد منه » (٢) فذلك حجة الله أقامها على خلقه وعرفهم انه لا يستحق مجلس النبي صلىاللهعليهوآله إلا من يقوم مقامه ولايتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله منزلة لئلا يتسع لمن ماسه رجس الكفر في وقت من الاوقات انتحال الاستحقاق لمقام رسول الله ، وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه ، إذ كان الله قد حظر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله لابراهيم : « لا ينال عهدي الظالمين » (٣) أي المشركين لانه سمى الشرك ظلما بقوله : « إن الشرك لظلم عظيم » (٤) فلما علم إبراهيم عليه السلام أن عهد الله تبارك اسمه بالامامة لا ينال عبدة الاصنام قال : « فاجنبني وبني أن نعبد الاصنام » (٥).
واعلم أن من آثر المنافقين على الصادقين ، والكفار على الابرار ، فقد
__________________
(١) المجادلة : ٧.
(٢) هود : ١٧.
(٣) البقرة : ١٢٤.
(٤) لقمان : ١٣.
(٥) ابراهيم : ٣٥.