على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك ، فتركوه بحاله ، وحجبوا عن تأكيد الملبس بابطاله ، فالسعداء يتثبتون عليه ، والاشقياء يعمون عنه ، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور.
ثم إن الله جل ذكره بسعة رحمته ، ورأفته بخلقه ، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه ، قسم كلامه ثلاثة أقسام ، فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ، ولطف حسه ، وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للاسلام ، وقسما لا يعرفه إلا الله وامناؤه الراسخون في العلم.
وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلىاللهعليهوآله من علم الكتاب مالم يجعله الله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم ، فاستكبروا عن طاعته تعززا وافتراء على الله عزوجل واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم ، وعاند الله جل اسمه ورسوله صلىاللهعليهوآله.
فأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول الله صلىاللهعليهوآله من كتاب الله وهو قول الله سبحانه : « من يطع الرسول فقد أطاع الله » (١) وقوله : « إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنا صلوا عليه وسلموا تسليما » (٢) ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله : « صلوا عليه » والباطن قوله : « وسلموا تسليما » أي سلموا لمن وصاه واستخلفه عليكم فضله ، وما عهد به إليه تسليما ، وهذامما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه ، وصفا ذهنه ، وصح تميزه.
وكذلك قوله : « سلام على آل يس » (٣) لان الله سمى النبي صلىاللهعليهوآله بهذا الاسم حيث قال : « يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين » لعلمه بأنهم يسقطون قول : « سلام على آل محمد » كما أسقطوا غيره ، وما زال رسول الله صلىاللهعليهوآله يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله ، حتى أذن الله عزوجل له في إبعادهم
__________________
(١) النساء ٨٠.
(٢) الاحزاب : ٥٦.
(٣) الصافات : ١٣٠.