الإمام عليّ وعظمته ، ومدى علّو همّته وصفاء نفسه ، وهو في حين أعطى للصّبر أكثر من حقّه ، ونصح لأبي بكر وعمر وعثمان ما علم أنّ في نُصحهم مصلحة الإسلام والمسلمين ، كان مع ذلك يحمِلُ في جنباته حادثة الغدير بكلّ معانيها ، وهي حاضرة في ضميره في كلّ لحظات حياته ، فما أن وجد فرصة سانحة لبعثها وإحيائها من جديد حتّى حمل غيره للشّهادة بها على مسمع ومرأى من الناس.
وانظر كيف كانت طريقة إحياء هذه الذكرى المباركة ، وما فيها من الحكمة البالغة لإقامة الحجّة على المسلمين ، من حَضر منهم الواقعة ومن لم يحضر ، فلو قال الإمام : أيّها الناس لقد أوصى بي رسول اللّه في غدير خم على الخلافة ، لما كان لذلك وقعاً في نفوس الحاضرين ، ولاحتجوا عليه عن سكوته طوال تلك المدّة.
ولكنّه لما قال : أنشدُ اللّه كلّ إمرئ مسلم سمع رسول اللّه يقول ماقال يوم غدير خم إلاّ قام فشهد ، فكانت الحادثة منقولة بحديث رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على لسان ثلاثين صحابياً ، منهم ستّة عشر بدريّاً ، وبذلك قطع الإمام الطريق على المكذّبين والمشكّكين ، وعلى المحتجّين عن سكوته طوال تلك المدّة ، لأنّ في سكوت هؤلاء الثلاثين معه وهم من عظماء الصحابة لدليل كبير على خطورة الموقف ، وعلى أنّ السكوت فيه مصلحة الإسلام كما لا يخفى.