قال تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إلاَّ مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً ... ) (١).
الآية الشريفة تحدّد عدّة أصناف من الناس كافرين ، أهل الكتاب ، مؤمنين ، في قلوبهم مرض ، والآية مكّية نزلت في مكّة قبل الهجرة ، تكشف عن أربعة أصناف من الناس كانوا متواجدين في المجتمع المكّيّ بعد بعثة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهؤلاء الأصناف هم ، الكافرون : كانوا كفار قريش ، وأهل الكتاب معروفون ، والمؤمنون هم : الذين آمنوا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واتّبعوه.
فمن هم أولئك الذين في قلوبهم مرض ، الذين كشفت عنهم الآية؟ هم قطعاً أولئك الذين كانوا أصلاً مرتابين ولم يسلموا إلا لمصالح شخصيّة ، ربّما يستطيعون الحصول عليها في فترة عزّ الإسلام.
فلربّما هاجر هؤلاء مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولمّا استشرى النفاق ، كانوا من بين أولئك المنافقين في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعد وفاته.
هذه حقيقة نوع من الصحابة ، فكيف نعتبر أنّ جميع الصحابة عدول بعد هذا البحث ، وهل نستطيع أنْ نأخذ ديننا عمّن لا ندري هل هو منافق أو مؤمن ، وهل يستطيع أنْ ينقل لنا ديننا من هو غير معصوم ، والله تعالى يقول : ( ... أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢).
القضيّة واضحة ولا مجال للعطفة فيها ، فإذا نظر المسلم أنّه في هذه الحياة يعمل ليرضي ربّه وينال الثواب العظيم والنعيم المقيم ، فعليه أنْ يميط العصبيّة والجهل عن عقله ، وينظر للأمور بشكل عقلاني ، حتّى يكون مستعدّ لاستقبال
__________________
(١) المدثر : ٣١.
(٢) يونس : ٣٥.