كلّهم يرجون أنْ يعطاها. فقال « أين عليّ بن أبي طالب »؟ فقالوا : هو ، يا رسول الله! يشتكي عينه قال : فأرسلوا إليه فأتي به ، فبصق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عينيه ، ودعا له ، فبرأ ، حتّى كأنْ لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال عليّ : « يا رسول الله! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا ». فقال : « أنفذ على رسلك. حتّى تنزل بساحتهم ، ثُمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فوالله! لأنّ يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أنْ يكون لك حمر النعم » (١).
وكذلك مواقفه في حنين ، عندما هرب كبار الصحابة من ساحة المعركة ، وتركوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين عليّ عليهالسلام يواجهان الكفّار مع بعض المخلصين. وإليك هذا الحديث عن هروب عمر وكبار الصحابة يوم حنين :
روى البخاري في صحيحه ، حدّثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن أبي محمّد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة قال : خرجنا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام حنين ، فلمّا التقينا ، كانت للمسلمين جولة ، فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين ، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف ، فقطعت الدرع ، وأقبل عليّ فضمّني ضمّة وجدت منه ريح الموت ، ثُمّ أدركه الموت فأرسلني ، فلحقت عمر فقلت : ما بال الناس؟ قال : أمر الله عزّ وجلّ (٢).
عندما نزلت سورة براءة ، لم يُرد الله إلاّ أنْ يبلغها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه أو رجل من أهل بيته ، بذلك أمر جبرائيل عليهالسلام ، فأعطاها عليّاً ، فعليّ إذن ، توكُلّ إليه المهمّات ، حتّى في تبليغ الوحي ; لأنّه لا يجوز أنْ يقوم بهذه المهمّة إلاّ رجل قد طهّره الله واصطفاه ، ولأنّها سورة تتعرّض كثيراً لفضح المنافقين ومؤامراتهم ، فلا يمكن أنْ يبلّغها إلا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو رجل قد طهّره الله من الرجس والنفاق ، فأبى الله أنْ يبلّغها
__________________
(١) صحيح مسلم ٧ : ١٢١ ـ ١٢٢.
(٢) صحيح البخاري ٥ : ١٠٠.