وبما أنّ هناك فراغ عند الناس ، وجهل بالسنّة النبويّة بسبب منع تدوين الحديث ، اختلطت تلك الإسرائيليات ، بما يعرفه الناس من حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبواسطة كعب وابن منبّه وسواهما من اليهود ، الذين أسلموا ، تسرّبت إلى الحديث طائفة من أقاصيص الإسرائيليات ، وما لبثت هذه الروايات أنْ أصبحت جزءاً من الأخبار التاريخيّة والدينيّة ، حيث قرّب عمر هؤلاء الأشخاص وأدناهم من مجلسه ، وجعل لهم قيمة علميّة واجتماعيّة بين الناس ، بينما أقصى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وأبا ذرّ ، والمقداد ، وسلمان ، وغيرهم ممّن منعهم من الحديث بحديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى أنّ عمر كان يسأل أولئك الأحبار والرهبان عن كثير من أمور العقيدة والأحكام.
روي في كنز العمّال عن عمير بن سعد الأنصاري [ كان ولاه عمر حمص فذكر الحديث ] قال : قال عمر لكعب : إنّي أسألك عن أمر فلا تكتمني ، قال : لا والله ، لا أكتمك شيئاً أعلمه ، قال : ما أخوف شيء تخوفه على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ قال : أئمّة مضلّين (١).
قال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج ابن مردويه ، عن عبد الرحمن بن ميمون ، أنّ كعباً دخل يوماً على عمر بن الخطّاب ، فقال له عمر : حدّثني إلى ما تنتهي شفاعة محمّد يوم القيامة؟ فقال كعب : قد أخبرك الله في القرآن ، إنّ الله يقول : ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) (٢) ، إلى قوله : ( الْيَقِينُ ). قال كعب : فيشفع يومئذ حتّى يبلغ من لم يصلّ صلاة قط ، ويطعم مسكينا قطّ ، ومن لم يؤمن ببعث قطّ ، فاذا بلغت هؤلاء ، لم يبقَ أحد فيه خير (٣).
وقال السيوطيّ في الدرّ المنثور : وأخرج ابن جرير ، عن أبي المخارق ،
__________________
(١) كنز العمّال ٥ : ٧٥٦ ، وأخرجه أحمد في المسند ١ : ٤٢.
(٢) المدّثر : ٤٢ ـ ٤٧.
(٣) الدرّ المنثور ٦ : ٢٨٥.