وكانت دواعي وضع الحديث في عهد معاوية وحكومة الأمويين التي دامت أكثر من ثمانين عامّاً ، أشدّ من عهد الخلفاء قبله ، وخاصّة في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة من حكمه. وكلّما مرّ الزمان ، كانت رغبة المسلمين تجاه أمير المؤمنين عليهالسلام ومعرفة مقامه وأهميّة شأنه تزداد شيئا فشيئاً ، وكانوا مولعين بسماع الأحاديث الصحيحة وروايتها ، وهذا ما لا شكّ فيه كان يضرّ بكيان معاوية وموقعه في المجتمع أكثر ممّا يتصور ; ولذلك بادر معاوية إلى أنْ يتدارك المشكلة ، ويشيّد الحكم الأمويّ ويقوّيه ، فعمد إلى اختلاق وجعل الأحاديث التي تنفع بحاله ، وتقوّى سياسته ، وتوضع بديلة عن الأحاديث الصحيحة ، وتنشر في المجتمع ، وتروى للناس. ومن هنا اكتسحت المجتمع مفترياته ، وقرئت على الناس مختلقاته ، وحقّق معاوية بمكره ودهائه المعروف ما أراده على كلا الصعيدين ; وذلك عبر جهتين : فهو من جهة أعلن على المنبر عن منع كلّ حديث لم يسمع به في عهد عمر ، ومن جهة أخرى عبّأ الوضّاعين ، وأكرم كلّ من يروي حديثا في فضائل عثمان وأصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم المناوئون لعليّ وأكرمهم بالعطايا الجزيلة والهدايا الثمينة ، وحثّهم على جعل الحديث ونقل الأكاذيب. فكتب أبو الحسن المدائني في كتابة الأحاديث وثيقة تاريخيّة مهمّة تحتوي على بيان حقائق حول كيفيّة منع الحديث ، وجعل الأحاديث المفترية على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عهد معاوية.
وننقل للقارئ مقتطفات من كلام المدائني ، الذي نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ; لما فيه الكفاية عن نقل سائر الشواهد الأخرى ، وتجنّبا عن الإطناب والإطالة.
قال المدائني : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة : أنْ برئت الذّمة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب [ يعني الإمام عليّ ] وأهل بيته. فقام الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّاً ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي