وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثمّ كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : اُنظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، واسقطوا عطاءه ورزقه. وشفّع ذلك بنسخة أخرى : من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم ، نكّلوا به ، واهدموا داره ، فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ، ولا سيما الكوفة ، حتّى أنّ الرجل من شيعة عليّ عليهالسلام ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه ، ويخاف من خادمه ومملوكه ، ولا يحدّثه حتّى يأخذ عليه الإيمان الغليظة ; ليكتمنّ عليه ، فظهر حديث كثير موضوع ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان أعظم الناس في ذلك بليّة القرّاء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك ، فيفتعلون الأحاديث ; ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويقرّبوا مجالسهم ، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل ، حتّى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووها وهم يظنّون أنّها حقّ ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها (١).
هذا الوضع الخطير الذي أراده معاوية ومن والاه من المنافقين من الصحابة استنكره عددٌ كبير من الصحابة المنتجبين ، الذين أوفوا بعهدهم مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهذا محمّد بن أبي بكر ـ أرسل إلى معاوية قائلا : من محمّد بن أبي بكر ، إلى الغاوي ابن صخر ، سلام على أهل طاعة الله ممّن هو مسلم لأهل ولاية الله. أمّا بعد :
فإنّ الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته ، خلق خلقاً بلا عبث ولا ضعف في قوّته ، لا حاجة به إلى خلقهم ، ولكنّه خلقهم عبيداً ، وجعل منهم شقيّاً وسعيداً ، وغويّاً ورشيداً ، ثمّ اختارهم على علمه ، فاصطفى وانتخب فيهم محمّداً صلىاللهعليهوآله فاختصّه برسالته ، واختاره لوحيه ، وأتمنه على أمره ، وبعثه رسولا
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١ : ٤٤ ـ ٤٦.