زبيب فيلقى فيه تمر وتمر فيلقى فيه الزبيب (١).
وأحبّ أنْ ألفت نظر القارئ العزيز إلى أنّ معنى النبيذ في اللغة والعرف والشرع هو الخمر ، وسأذكر لك بعض الأحاديث والأشعار والمعاني اللغوية من القواميس العربية ، والتي تؤكّد على هذا المعنى ، كما وأذكر أنْ شرب النبيذ كان مستفحلاً بين الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلقد روي عن العديد من الصحابة المنافقين أنّهم لم يتركوا شرب الخمر بعد تحريمه ، فمعلوم ما جرى مع والي عثمان على الكوفة الصحابي الوليد بن عقبة ، عندما صلّى الفجر بالناس أربعاً وكان سكراناً (٢) ، وكذلك الحكام الأمويين والعباسيين اشتهرت عنهم روايات المجون والخمر ، ولقد اقتدوا بمن أباح لهم ذلك من الصحابة ، ونبيّن التفاصيل إنْ شاء الله في بحث الانقلاب والتغيير بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ورى الحاكم في مستدركه ، عن أبي سعيد الخدري قال : لا أشرب نبيذ الجرّ ، بعد إذ أتي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بنشوان فقال : يا رسول الله ، ما شربت خمراً ، لكنيّ شربت نبيذ زبيب وتمر في دباء ، فأمر به ، فنهز بالأيدي ، وخفق بالنعال (٣).
قال القرطبي : « وثبت بالنقل الصحيح أنّ عمر بن الخطّاب ـ وحسبك به عالماً باللسان والشرع ـ خطب على منبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا أيّها الناس ، ألا إنّه قد نزل تحريم الخمر يوم نزل ، وهي من خمسة. من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير ، والخمر ما خامر العقل. وهذا أبين ما يكون في معنى الخمر ، يخطب به عمر بالمدينة على المنبر بمحضر جماعة الصحابة ، وهم أهل اللسان ، ولم يفهموا الخمر إلا ما ذكرناه ، وإذا ثبت هذا بطل مذهب أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأنّ الخمر لا تكون إلا من العنب ، وما كان من غيره لا يسمّى
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٠.
(٢) اُنظر : السنن الكبرى للنسائي ٣ : ٢٤٨.
(٣) المستدرك على الصحيحين ٤ : ٣٧٤.