رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلّمنا ...
ومن أكثر الأمور دقّة وأشدّها توضيحاً موضوع الوصيّة ، فقد حثّ القرآن الكريم في العديد من الآيات على الوصيّة ، وعلى كتابتها قال تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١).
وكذلك هناك كمّ هائل من الأحاديث النبويّة التي توجب الوصيّة على المسلمين ، وأنّه لا يجوز للمسلم أنْ ينام إلا ووصيّته تحت وسادته.
قال السيوطي : أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن الزهري قال : جعل الله الوصيّة حقّا ممّا قلّ منه وممّا كثر. وأخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « ما حقّ امرئ مسلم تمرّ عليه ثلاث ليال إلاّ وصيّته عنده » (٢).
ومن الأمور المسلّم بها عقلاً وطبعاً وعادةً أنّ أيّ شخص في هذا العالم حتّى ولو كان غير مسلم ، فإنّه إذا أراد سفراً فإنّه لا يمكن أنْ يترك مصالحه العمليّة الدنيوية دون أنْ يرتب لشخص يخلفه في تلك المصالح أثناء فترة غيابه. وهذا الأمر متعارف عليه إنسانيّاً وفطريّا ، ولا يوجد من يخالف هذه الفطرة لا سابقاً ولا حاليا. وكثيراً ما ننزل إلى الأسواق قاصدين محلاً من المحلاّت ، فنجد شخصاً آخر في المحلّ غير صاحبه ، ونسأله من أنت؟ فيجيب أنا اعمل مكان صاحب المحلّ ; لأنّ صاحبه قد سافر إلى أداء فريضة الحجّ أو إلى الصين للتجارة ، وأنا أقوم مكانه بإدارة شؤون محلّ عمله.
هذه حقيقة مسلّم بها ، نشاهدها مئات المرّات في حياتنا ، حتّى أنّ صاحب
__________________
(١) البقرة : ١٨٠.
(٢) الدرّ المنثور ١ : ١٧٤.